كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

والسبب الثاني: انهم يخلطون بين "الغرابة في اللغة "، والغرابة في "البلاغة ".
فالغرابة في البلاغة يراد بها: الكلام الحوشي المستكره، اصواتاَ ودلالة، على ما هو
مذكور في كتب البلاغيين.
اما غرابة اللغة فهي شيء آخر. فالغريب من الكلام -كما ذكره أبو سليمان
الخطابي (388 هـ): "وهو الغامض البعيد من الفهم، كالغريب من الناس إنما هو
البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل. . . ثم إن الغريب من الكلام يقال به على
وجهين: احدهما أن يراد به بعيد المعنى غامضه، لا يتناوله الفهم إلا عن بعد
ومعاناة فكر. والوجه الاخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار، ونأى به المحل
من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها، وإنما هي
كلام القوم وبيانهم، وعلى هذا ما جاء عن بعضهم، وقال له قائل: أسألك عن
حرف من الغريب، فقال: هو كلام الفوم، إنما الغريب أنت وأمثالك من الدخلاء
اقول: واللهم نعم: الغريب من كلام القوم، وعدم انسنا به أو استعمالنا له،
لا يخرجه عن دائرة كلام العرب، وعلى ان الاستعمال ليس بدليل على الحسن، كما
يقول ضياء الدين بن الأئير.
ومعلوم ان كلام العرب على وجهين: واضج وغريب، ذكر هذا ونبه عليه
واضع أول معجم عربي: الخليل بن أحمد الفراهيدي، قال في مقدمة كتاب العين:
" بدأنا في مؤلفنا هذا بالعين، وهو أقصى الحروف، ونضم إليه ما بعده حتى نستوعب
كلام العرب: الواضج والغريب ".
وهذا الغريب من كلام العرب قد يكون له ما يقابله من الواضج، فلك أن تعدل
عن غريبه إلى واضحه، مع فقر في معجمك اللغوي، أنت مسؤول عنه ومؤاخذ به،
عند تفاضل أقدار الكاتبين. وقد لا يكون له ما يقابله من الواضج، فلا معدى لك عن
معرفته واستعماله، والجهل به حينعذ مزرٍ بصاحبه، ومضيق عليه سبل القول ومنادح
الكلام، ولا يحس لذع هذا، ويستشعر المحنة فيه إلا الشعراء، من حيث هم
651

الصفحة 651