كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
حرموا الذي أملوا وادرك منهم اَماله من عاذ بالحرمان
ومن فقه الجارم باللغة أيضاَ استعماله كلمة "سائر" بمعنى "باق"، يقول في
قصيدة في رثاء الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي:
تمزُ به مرّاَ فيسبيك بعضه وتقرؤه اخرى فيسبيك سائره
واستعمال "سائر" بمعنى "باق " هو الفصيح الأكثر، مأخوذ مق السؤر، وهو ما
يبقى في الِإناء، ويرى بعض اللغويين انه هو الصواب، ولا صواب غيره، يقول مجد
الدين بن الأثير: "السائر: الباقي، والناس يستعملونه في معنى الجميع، وليس
بصحيح ". ومثل ذلك قال ابن الجوزي والحريري، لكن المرتضى الزبيدي حكى عن
بعض أئمة اللغة والتصريف أنه يجوز استعمال "سائر" بمعنى الجميع.
ويستشهد اصحاب الراي الأول بشواهد كثيرة من النثر والشعر، ومن أحلى
شواهده قول عمرو بن الوليد بن عقبة بن ابي معيط الأموي، ويعرف بأبي قطيفة:
لهم منتهى حبي وجل مودتي وصفو الهوى مني وللناس سائره
وهكذا تضلَّع الجارم من لغته وفقهها، وعرف لها حقها فيما كتب وفيما نظم،
فأحلته هذه المنزلة الرفيعة بين شعراء زمانه، واقتعدت له مكاناً عالياَ في ركب الشعراء
العظام، على ما قال هو يصف شعره، في مقدمة الجزء الثاني من ديوانه.
" شعر نصر الفصحى فنصرته، وصان لها ديباجتها فصانته ".
وكما صان الجارم العربية فصانت له شعره، فسيصونه الزمن أيضاً، فيبقيه طريّاَ
غضّاً على الألسنة، مصوناَ في تلافيف القلوب، على ما قال حشَان بن ثابت رضي اللّه
عنه.
مصون الشعر تحفظه فيكفي وحشو الشعر يورثك الملالا
ءفيك! -يلأ-
659