كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

واما الثاني: فهو الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، الذي يُعد صفحة
حافلة من تاريخ نشر التراث العربي، قدَّم وحده للمكتبة العربية ما لم تقدمه هيئة
علمية مدعومة بالمال والرجال. وقد رُمي الرجل بأنه اعاد طبعات سابقة عليه مما
أخرجته مطبعة بولاق ومطابع أوروبا، وأنه لم يعبأ بجمع مخطوطات الكتاب الذي
ينشره، وانه لم يضع الفهارس الفنية الجامعة لمسائل الكتاب المنشور.
لكن هذا لا ينقص من قدر الرجل وجهده الذي بذله في التصحيح وضبط النص
ضبطاً صحيحاً، وإضاءته بالشروح اللغوية التي تنفي عنه الجهالة او الغموض، مع
العناية بعلامات الترقيم، وأوائل الفقراب، وعدم تداخل أجزاء الكلام. ويكفيه فضلاً
ان كل من تعلم النحو في شرق الدنيا وغربها بعده مدين له بديْنٍ كبير لما بذله من جهد
بالغ في إخراج كتب النحو في أسلوبٍ يمتع الدارس ويصقل اللسان.
المرحلة الثالثة: (مرحلة دار الكتب المصرية):
والتي تحمل كل سمات المنهج العلمي الدقيق في إخراج النصوص، والتي
تأثرت إلى حد ما بمناهج المستشرقين الذين شُغلوا بتراثنا والذين استقوا زبدة
مناهجهم من أصل تراثنا.
وكان صاحب الفضل في هذا بعد اللّه سبحانه: احمد زكي باشا، الذي قال عنه
شكيب أرسلان: "كان يقظةً في إغفاءة الشرق، وهَئة في غفلة العالم الِإسلامي،
وحياةً في وسط ذلك المحيط الهامد".
وقد برز في هذه المرحلة مشيخة جليلة من العلماء الذين بذلوا جهداًواسعاً فيما
اسند إليهم، ولم يحظوا بمعشار ما يحظى به أدعياء التحقيق في هذه الأيام، ومنهم:
الشيخ أحمد الزين، والشيخ عبد الرحيم محمود، والشاعر أحمد نسيم، والأستاذ
محمد عبد الجواد الأصمعي، والشيخ احمد عبد العليم البردوني، والعالم الجزائري
إبراهيم اطفيّش. ومن الطريف أن الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر كان قد
عمل مصححاً في هذه الدار في مقتبل حياته العلمية.
664

الصفحة 664