كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

الملاحظة التي ذكرتها من قبل وهي ان معظم نشاط هؤلاء النسوة إنما كان في مجال
الدراسات الجامعية، فلم نجد عند واحدة منهن أعمالاَ خارجة عن هذه الدائرة،
كتلك الأعمال التي نهض بها الرجال، إلا ما كان من أمر وداد وخديجة وسكينة.
وفي رأي، أن ذلك الِإحجام من النساء عن خوض هذه اللجج إنما يرجع إلى
جهد المئونة وعناء المكابدة التي يلقاها من يتصدى لتحقيق النصوص ونشرها، لأن
العمل في هذا المجال محوج إلى مراجعات كثيرة في بطون الكتب، ومفاتشة
المصادر، ومعرفة التعامل معها واستنطاقها، ثم هو عمل يحتاج إلى صبر شديد
وحسن أناة، ودُربة على قراءة المخطوطات، وفك معمياتها، ثم ما يكون من التعليق
على النص وإضاءته وربطه بالكتب التي تدور في فلكه، أو تكون منه بسبب، ثم صنع
الفهارس الفنية الكاشفة لكنوز الكتاب، وكل ذلك مما لا يقوى عليه ولا يقوم به إلا
أولو العزم من الرجال.
مرحلة النشر العلمي:
ثم نأتي إلى العالمة الأديبة الراحلة "عائشة عبدالرحمن " الملقبة "بنت
الشاطىء"، ولها في تاريخ نشر النصوص مكان ومكانة، وقد دلفت إلى ذلك المجال
التراثي من باب الدراسات الجامعية أيضاَ، ولكنها دخلت ولم تبرح، فقد اقامت
أطروحتها للدكتوراه، بعنوان "الغفران - دراسة نقدية، مع تحقيق رسالة الغفران "
لأبي العلاء المعري، و"الرسالة " هذه أشهر آثار أبي العلاء، وأخلدها على الأيام،
وكان المشرف على هذه الأطروحة الدكتور طه حسين، وقد نوقشت في الخامس من
أبريل عام 1950 م، بكلية الاداب - جامعة فؤاد الاول (القاهرة)، وأجيزت بتقدير
"ممتاز"، ثم حصلت بهذا التحقيق على جائزة مجمع اللغة العربية في تحقيق
النصوص.
وأحب أن أنبه هاهنا إلى أن بنت الشاطىء حين اقدمت على تحقيق هذا النص
- وكان ذلك في اواخر الأربعينيات واوائل الخمسينيات - كان تحقيق النصوص قد
استقر علماَ له مناهج ومدارس، وكان المستشرقون قد مدوا فيه يداَ مبسوطة، وفي
671

الصفحة 671