كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

البلدان العربية والِإسلامية، كان نشر النصوص قد انتقل من مراحله الأولى - اعني
مرحلة مطبعة بولاق ومطابع استانبول والشام، ثم المطابع الأهلية المصرية والناشرين
المصريين والشوام الذين وفدوا إلى مصر، واتخذوها دار مفام، كالحلبي والخانجي
ومحمد منير الدمشقي، وحسام الدين القدسي، والخشّاب، انتقلوا من هذه المرحلة
إلى مرحلة الرشر العلمي، من حيث التوثيق وجمع النسخ المخطوطة، ثم دراسة
الكتاب المحقق وبيان مكانته في المكتبة العربية وفهرسته، وكانت ديار مصر في ذلك
الوقت بالذات تؤسس هذا العلم وتقيمه على عمد ثابتة، وذلك فيما عُرف بمدرسة
أحمد زكي باشا شيخ العروبة، ودار الكتب المصرية، ثم مرحلة الأفذاذ من الرجال
(أحمد محمد شاكر، ومحمود محمد شاكر، وعبد السلام هارون، والسيِّد أحمد
صقر)، وقد فصّلت ذلك كله في كتابي: " مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي ".
فكانت جرأة عالية، وهمة جسورة من بنت الشاطىء ان تبحث لها عن مكان
بين هؤلاء الأفذاذ من الرجال في ذلك الزمان. وقد اقتحمت وما وهنت وما قصّرت،
فقد أخذت للأمر أخذه، وأعدت له عدته، فجمعت اصجّ النسخ وأوثقها من " رسالة
الغفران " المخطوطة، ثم عرضت للنشرات السابفة من الرسالة، وكشفت عن أوجه
النقص فيها، ثم قدمت نصاَ محرراً مضبوطاً، مضاء ببعض التعليقات، وأزالت عنه
عوادي الناس والأيام، ولئن كان بعض شيوخ التحقيق قد عرضوا لعملها فيما بعد
بالنقد والتصحيح، فسيظل لهذا العمل مكانته في خدمة تراث أبي العلاء، ثم في
تاريخ المكتبة العربية كلها.
وقبل أن أستطرد إلى ذكر بافي الأعمال التراثية لبنت الشاطىء، أحب أن أقف
عند أمرين، لا بد من بيان القول فيما، لما نراه الَان من اضطراب وتخليط في امر
تحقيق النصوص:
الأمر الأول: ان بنت الشاطىء لم تقدم على تحقيق "رسالة الغفران " إلا بعد أ ن
عاشت مع أبي العلاء، وخبرت حياته ونفسيته، وعرفت لغته ومدارج القول عنده،
وقد أنبأتنا هي أنها عرفت "رسالة الغفران " أيام الطلب حين قرأتها مع أستاذها طه
672

الصفحة 672