كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

يشتغلون بنشر النصوص لا يؤمنون بذلك التراث، بل يسخرون منه ويستهزئون به إذا
خلوا إلى شياطينهم، ولكنها الضرورة الملجئة، وسبحان ربك رب العزة الذي يعلم
خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ولقد عادت بنت الشاطىء مرة أخرى إلى صاحبها ابي العلاء، فنشرت له أثراً
غالياً من تراثه، وهو كتاب "الصاهل والشاحج "، ويتكلم فيه أبو العلاء، على لسان
فرس وبغل، وقد نشرته عن نسختين أصليتين موثّقتين، احتفظت بهما الخزانة الملكية
بالرباط، وللمغاربة فضل عظيم في الحفاظ على مخطوطات نفيسة ذوات عدد، من
تراثنا الموزع في مكتبات العالم، وقد قدمت بنت الشاطىء لتحقيق هذا النص بدراسة
ماتعة، شملت مدخلاً تاريخياً، واَخر موضوعيّاً، ثم قارنت بين كليلة ودمنة والصاهل
والشاحج.
ومن الفضايا التي شغلت بنت الشاطىء زمناً طويلاً، وما زالت تعتادها وتكرر
القول فيها، وتستأنف حولها كلاماً لأدنى ملابسة: قضية توثيق المرويات النقلية التي
وصلت إلينا في اول الأمر شفاهاً إلى عصر التدوين، وهذه المرويات قد تعرضت
لهزات عنيفة، وبخاصة ما يتصل بقضية الشعر الجاهلي، والقول بانتحاله ووضعه بعد
ظهور الِإسلام، وهي القضية التي ازعجت الجلة من شيوخنا، وعلى رأسهم شيخنا
محمود محمد شاكر، وقد رأى هؤلاء الشيوخ أن التسليم بالشك في الشعر الجاهلي
يفضي - لا محالة - إلى الشك في مرويات أخرى جاءتنا مشافهة، كنصوص السنة
النبوية والسيرة الشريفة النبوية، وكتب تاريخ الصحابة، وعلوم الِإسلام كلها.
وقد وجدت بنت الشاطىء ضالتها ومفزعها عند علماء الحديث، فيما أصَّلوه
من قواعد منهج توثيق المرويات، وفحص الأسانيد، ونقد المصادر، فيما عُرف بعلم
الجرح والتعديل، ثم وقفت عند كتاب واحد من كتب علوم الحديث، ورأت أنه
جدير بالنظر والخدمة والتحقيق، ذلك هو "مقدمة ابن الصلاح " وهو تقي الدين
عثمان بن عبد الرحمن المتوفى سنة (643 هـ)، وقد رأت في هذا الكتاب مجلى ذلك
العلم، فنهدت لنشره نشرة علمية، فجمعت منه أصولاً خطية موثفة جيدة، ثم صدّرته
674

الصفحة 674