كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

بمقدمة محكمة، ابانت فيها عن مناهج المحدثين، ثم نقدت النشرات السابقة
للكتاب، وقد رات من تمام الفائدة ان تلحق بالكتاب نصاَ يتصل به، هو: " محاسن
الاصطلاح و! حمين كتاب ابن الصلاح " لسراج الدين عمر بن رسلان البلقيني المتوفى
سنة (805 هـ)، ومن أعمال بنت الشاطىء التراثية أيضاَ تحقيق الجزء الثالث من
" المحكم في اللغة " لابن سيده.
فهذه نصوص أربعة من أصول علومنا، نهضت بها بنت الشاطىء، تحقيقاَ
وضبطاَ، مع تأليفها لكتاب نافع، هو: "تراثنا بين ماض وحاضر"، ولولا اشتغالها
بالتدريس والتاليف لكان لها في ميدان تحفيق النصوص أئر كبير.
ولا يبقى من حديث الدكتورة بنت الشاطىء إلا أمر شغلني زماناَ، وما زلت في
عجب منه إلى يوم الناس هذا: إن بنت الشاطىء لا تفتأ تذكر فضل شيخها وزوجها
الأستاذ امين الخولي، فهو الذي علمها كيف تقرأ، وهو الذي هداها إلى المنهج، إلى
أشياء كثيرة تسميها كلما جاء ذكر الشيخ، لكني أجد مباينة شديدة بين التلميذة
وشيخها فيما يتصل بالبيان وطرائق القول - أو فن القول، كما كان الشيخ يقول -
فأسلوب بنت الشاطىء أسلوب عذب ندي، يترقرق فصاحة وصفاء وإشراقاَ، وهو
أسلوب ترى فيه أثر الفرآن الذي تلقته صبية من فم ابيها الشيخ الصوفي، ثم هو من
بعد ذلك اسلوب عال موصول النسب بأساليب أصحاب البيان، كالجاحط وأبي
حيان ومصطفى صادق الرافعي ومحمود محمد شاكر.
أما أسلوب الشيخ، فهو أسلوب حاد صارم، كأنما يستمد صرامته من صرامة
المنهج الذي أخذ به نفسه، وهو ذلك المنهج الذي ما زال تلاميذه يحمدونه له،
ويجهرون به ويرذُونه إليه، ولو شئت لقلت: ويبجحون به (اى يفتخرون)، وهؤلاء
الكتَّاب الذين يسرفون في قيود ما يسمونه المنهج وضوابطه، يصعب عليهم - عن
عمد او غير عمد - ان يرطِّبوا ألسنتهم، أو يزيّنوا اقلامهم بشيء من نداوة الكلام
وسماحته ويسر 5، كأنهم يريدون أن يظلوا بمنجاة من الذاتية أو التأثرية (أو كلام
الِإنشا) فتاتي عباراتهم وفيها قدر غير يسير من الجفاف والعسر، لأنهم يغرقون في
675

الصفحة 675