كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

النظر والتأمل، فقرأها كلها، اما اليوم فأنت تحس من أول لحظة بأن الأمر هئن، بل
هو بالغ السهولة.
وبدءة ذي بدء فإني أقول بحق وبصدق إن عند كثير من الأساتذة الجامعيين
علماً، ولكنهم لا يخرجونه، ليس ضناً به ولا كزازة، ولكنهم لا يبذلون جهداً في
قراءة الرسالة الجامعية، لأنهم يزنون الأمور بميزان العائد المادي، فماذا تعطيك
الرسالة من المال؟ إن كتابة ئماني صفحات في مجلة كذا تعطيك ثمانمائة جنيه
(800) مع الشهرة والرنين، ونعم إن الكتابة في هذه المجلة الغنية لا تتاح لكثير
منهم، لكن هناك وجوهاً أخرى من الكمسب تعطي أجزل مما تعطيه الرسالة الجامعية،
ولذلك فإن بعضهم لا يقرأ الرسالة كلها، بل يكتفي منها بصفحات قليلة، يوزعها
على امتداد الرسالة اثلاثاً أو ارباعاً، فلا يخرج علمه كله، فهو كما قال اللّه تعالى:
" وَلَا ينُفِقُونَ! لَّا وَهُئم بهَرِهُونَ إ به!! " 1 ا لتوبة: 4 5 1.
وعدم قراءة الرسالة كاملة يفضي أحياناً إلى خلل شديد، أعلم يقيناً أن رسالة
جامعية للدكتوراه نوقشت وأجيزب بمرتبة الشرف الأولى، وقد اكتشف الطالب بعد
المناقشة أنه قد سفط منها في أثناء التجليد نحو مائتي ورقة، وكان موضوع الرسالة
تحقيق نص من نصوص النحو، وفي الغالب لا يقرأ الأساتذة النصوص المحققة
كلها، وهذا هو الذي حجب عنهم اكتشاف هذا السقط.
ومن امارات الاستخفاف أن بعض الأساتذة يصرح في أول مناقشته بأنه اعتاد
ألا يتجاوز ساعة واحدة، كأنه يريد أن يطمئن المشرف والمناقش الثاني والجمهور
والطالب، ويظل الحضور ينظرون في ساعاتهم. وحين توشك الساعة أن تنقضي
يرتفع صوت واحد من الحاضرين: الساعة خلصت يا دكتور، فيرد عليه الدكتور:
لا يا خويا، فاضل دقيقتين، ساعتك غير مضبوطة، ويتضاحك الجميع. ومن هنا فقد
زالت أسباب الخوف والهيبة عن كثير من الطلبة، واصبح بعضهم يُنشد بعضاً:
وما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويذهب هذا كله ويزول
680

الصفحة 680