كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

ما المسؤول عنها بأعلم من السائل (1)
ابنتي طالبة بقسم اللغة العربية بإحدى كليات الَاداب، وأنا اعفم العربية في كلية
مناظرة، فكان حقاً علي ان اكون في عون ابنتي فيما يشكل عليها مما تدرس من علوم
العربية، ويشق على المدرس كثيراً أن يمارس عمله مع أبنائه، لكني اغالب هذا
الشعور استجابة لعاطفة الأبوة، لكني ايضاً أقف عاجزاًامام كثير مما تدرسه ابنتي،
وبخاصة ما يتصل بعلوم النقد الأدبي والبلاغة والأدب المقارن وتحليل النصوص،
فكثير مما يقدم من هذه العلوم للطلبة الان كلام عجيب حقاً، وليس له من العربية إلا
الحروف والأفعال والأسماء، مصبوباً ذلك كله في نظام نحوي صحيج في جملته،
لكنك إذا اردت ان تخرج منه بمعان أو دلالات ذات معنى اعجزك ذلك، فهو كلام
"تعفل مفرداته ولا تفهم مركباته " كما وصف ابن دقيق العيد كلام ابن سبعين
الصوفي، وأحياناً لا تعقل مفرداته، ولذلك يعجزني - على كثرة ما قرأت
وحفظت - أن اجيب ابنتي على ما تسأل، وكثيراً ما أجيبها: "ما المسؤول عنها بأعلم
من السائل "، ثم اصفي على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
وقد لجات إلى زملائي الذين يعرفون لغة القوم، من أصحاب الألسنية والبنيوية
والتفكيكية، ليدلوني على أمئل طريقة لتفهم ابنتي ذلك الكلام، فقالوا: لا سبيل
أمامها إلا ان تحفظ ذلك الكلام بحروفه لتضعه كما هو في ورقة الِإجابة.
وهذا رأي خطير جدّاً، لأن معناه ان يتحول الطالب إلى ببغاء يردد دون أن
__________
(1) مجلة "الهلال"، ا بر يل 6 9 9 1 م.
695

الصفحة 695