كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

أبي يغزو .. وأمي تحدث (1)
هذا مثل شائع من أمثال العرب، وأصله فيما ذكر ابن الأعرابي: أن رجلاَ قدم
من غزوة، فأتاه جيرانه يسألونه عن الخبر، فجعلت امرأته تقول: قتل من القوم كذا،
وأسر كذا، وجرح كذا، والرجل صامت لا يتكلم، فقال ابنها متعجباَ: " أبي يغزو
وأمي تحدث "، هكذا رواه المفضل بن سلمة، والميداني، ورواه الزمخشري: "وأمي
تحبِّر"، والتحبير: التزيين، ثم قال: يضرب لمن يفتخر ببلاء غيره.
وانت ترى أيها القارىء الكريم، وانا أرى معك تصديق هذا المثل كل يوم
فيمن يتحدئون كثيراَ على السنة غيرهم، ويحمِّلونهم ما لم يحملوا، ويقوِّلونهم ما لم
يقولوا، وكثيراَ ما يضيفون إلى ذلك كلاماَ آخر عن أنفسهم هم: معتدلين أو مبالغين.
وقد ذكرت هذا حين قرأت عقب وفاة شيخ المجمعيين الدكتور إبراهيم بيومي
مدكور كلمة بالأهرام لأحد أساتذة الجامعة، نعى فيها الدكتور مدكوراَ، ذاكراَ بعض
مآثره وآثاره ليخلص بسرعة إلى الحديث عن نفسه هو وتلاميذه هو، ثم رآها فرصة
ليضع كتفه بجوار كتفه، وهامته إلى هامته، فيذكر خلافه معه في الراي والقضايا
الفلسفية الكبرى.
وذكرت هذا المثل أيضاَ يوم حصل فارس الرواية العربية *تخيب محفوظ، على
جائزة نوبل العالمية، وانطلقت أقلام المنظَرين والمتفلسفة، تحلل وتفسر، وتستنطق
الأديب الكبير بما لم يقله؟ بل إن بعضهم ألبسه "برنيطة" فرذَ فنه الروائي إلى فلان
__________
(1) مجلة "الهلال"، يونيو 6 9 9 1 م.
697

الصفحة 697