كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

اكتُشف لأول مرة تراث طيب لفكر المعتزلة، تطاول عليه العمر، مختبئاَ في سراديب
الظلام. وقد نشر من هذا التراث المكتشف ثلاثة نصوص للفاضي عبد الجبار:
المغني، والمجموع المحيط بالتكليف، ثم شرح الأصول الخمسة. ولا يزال هناك
الكثير من تراث المعتزلة مما صور من اليمن ينتظر الدراسة والنشر. وكان الموجود
من هذا التراث بين يدي الناس لا يزيد على الكتب الثلاثة. وترجع أهمية هذا التراث
-كما كان يحدئني الأستاذ رحمه اللّه - إلى أنه يعرض لفكر المعتزلة بأقلام ائمة
الاعتزال أنفسهم، وكان كل ما يكتب قبلاَ عنهم إنما ياًتي من قبل خصومهم، وفي
هذا ما فيه.
وفي شهر مايو من العام الماضي كانت آخر رحلاته رحمه اللّه، حيث دعاه
المعهد الجامعي الشرقي بنابُلي للقيام بدراسات علمية في التراث الِإسلامي
والمخطوطات العربية. وقد لقي هناك ترحيباَ كريماَ من جمعيات الاستشراق ولبث
شهرين يعاون طلبة الدراسات العليا على فهرسة محتويات المعهد من المخطوطات
العربية، ويرشد ويوحه أصحاب الدارسات والبحوث إلى المراجع العلمية التي تخدم
بحوثهم.
آثاره العلمية:
من الناس من يشغل بغيره عن نفسه، وتستعلن آثاره أو تتوارى في جهود
سواه، وهو في كل ذلك سعيد بما يبذل من وقته وفكره، وسواء اذاع الناس فضله أم
جحدوا فهو لمجما هو، لا يتحول ولا يريم، لأنه يرضي سخاء نفسه الراغبة في البذل
والعطاء.
وقد كان الأستاذ - آجره اللّه - من هذا الصنف من الناس، فقد فرضت عليه
ظروفه الوظيفية في الِإرشاد والتوجيه، ثم قبل كل ذلك قلبه المحب للناس الراغب
فيهم المستزيد من صداقتهم، فرض عليه كل ذلك أن يعيش لغيره وأن يقف وقته لتلبية
الرغبات وقضاء الحاجات. وقد كنت ارى الرسائل اكواماً تلاحقه في مكتبه وفي بيته
من الدارسين والمحققين، وقد تأخذ الرغبات بتلابيبه فيبدو منه بعض الضجر، ولكنه
76

الصفحة 76