كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

الرضي والعلم النافع، وما كان رحمه الله يذكر هذه الشخصية إلا وتطفر من عينيه
الدمعة، تلك هي شخصية الشيخ محمد زاهد الكوثري علامة وقته ونادرة زمانه، ولد
رحمه الله بشرقي الآستانة ونزل القاهرة فراراً من اضطهاد الكماليين، حيث توفي بها
سنة 1371 هـ/ 1952 م، وقد اجاز الشيخ الكوثري فقيدنا في ليلة الجمعة 20 من
رمضان سنة 1371 هفي السنة التي توفي فيها، وكانت آخر إجازة يمنحها الشيخ
لتلاميذه. ونص الِإجازة: "وممن استجازني الأستاذ الفاضل البحاثة الواسع الاطلاع
السيد فؤاد السيِّد عمارة، كان اللّه له حيثما يكون، ورعاه في كل حركة وسكون. وبعد
أن اطلع على كثير من مؤلفاتي وسمع مني حديث الرحمة المسلسل بالأولية، أجزته أ ن
يروي عني جميع ما تصح لي وعني روايته من حديث وتفسير وفقه وأصول وتوحيد
ومصطلح وتاريخ وحكمة وعربية ".
وفي آخر المطاف تركز علم الففيد في نقطتين اثنتين لا يشركه فيهما سواه: فكر
المعتزلة، والِإحاطة بجغرافية اليمن وعلمائها. هاتان النقطتان فرَّغ لهما نفسه وصرف
إليهما جهده، حتى ملك الفول فيهما غير مدافع ولا مزاحم. وقد قدر لي - وانا آخذ
عنه وأتلفى منه - أن اشهده وهو يخطط لتحقيق " فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة "،
و " نزهة المشتاق في اختراق الافاق " فرأيت عجبأ، يرحمه الله.
اما الحديث عن ظرفه وخفة ظله فيرجع إلى انه تعرف في شبابه على أعلام
الظرف والفكاهة في ذلك العصر، من مدرسة الشاعر الزجال حسين شفيق المصري،
وكان رحمه اللّه امة في الرواية والحفط - ومعارضاته للمعلقات السبع معروفة-
وكانت لفقيدنا خصوصية بهذا الشاعر الكبير، افاضت عليه الكثير من خفة الروح
وعذوبة الحديث. ووعت حافظته كميراً من شعر حسين شفيق، لم يدون.
وقد حدثني رحمه اللّه عن جماعة من ظرفاء الأدباء كانت تلتقي بدار الكتب في
ذلك الوقت في حلقة يسمونها "البعكوكة" على يسارك وانت تدخل الدار الَان.
وحول هذه الحلقة رويت أشعار ورنت ضحكات. وقد لا يعلم الكثيرون ان للأستاذ
فؤاد ازجالأ طيبة. ولولا اشتغاله بالتراث لكان له في عالم الزجل شأن كبير.
81

الصفحة 81