كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

من هذه الروافد الخصبة تكونت ثقافته ونصت معارفه، وبارك اللّه في ايامه
فجعل افئدة من الناس تهوي إليه تفيد وتستفيد، وكانت الرسائل ترد عليه من كل رجا
تصل إليه الكلمة العربية، وأصبج مكتبه وبيته مثابة لكل طالب علم. وكنت ارى
الناس حوله من مختلف الأسنان وشتى المذاهب وكلهم دان منه، قريب إليه،
فأتمثل:
تمل الندامى ما عداني فإنني بكل الذي يهوى نديميَ مولع
فقد كانت كلماته حبيبة إلى كل قلب، خفيفة على كل سمع، يمزج الفائدة
العلمية بالنكتة العذبة، مع نقاء طبع وصفاء روح، فلم يكن رحمه اللّه يصبر على
خصومة أو يطيل جفاء، فإذا بدرت منه البادرة فهو سريع الأوبة مزيل الجفوة. وظل
رحمه اللّه يعيش أجمل وفاء للناس، حتى مات في لحظة وفاء، حين رأى أم ولده
ورفيقة عمره تصاب بشلل مفاجىء، فاجتاحته المصيبة، ولم يعش بعدها سوى يوم
واحد، ليتركنا في يوم حزين، وتطوى صفحة مضيئة من صفحات النبوغ والمعرفة
لفتى نحيل دخل دار الكتب عام 1929 عاملاَ يصفّف الحروف في المطبعة، وقبل
وفاته بأربعة اشهر ذهب يحاضر في معاهد إيطاليا عن المخطوطات العربية، وبين هذا
وذاك جهد دائب وعلم نافع.
النهُئمَ إنا نسألك أن تتغمَّد ذنبه، وأن تمهد عذره، وأن تنير قبره، وان تجعله
مع الذين أنعمت عليهم من النبئين والصديقين والشُهداء والصَالحين وحسن اولئك
رفيقاً.
-،-ثلأ-7 -
82

الصفحة 82