كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
من العلماء وطلاب المعرفة. فأي بركان هذا الذي فخره كتاب الله المنزل علي النبيّ
الأفي، ففتج به آذاناً صُمّاً وقلوباً غلفاً؟ وأي ضياء وهاج ذلك الذي جاء به الدين
الجديد، فأزاح ظلمات القرون والأحقاب؟
انسالت أفواج المغاربة على المشرق، يشافهون العلماء ويروون العلم
ويستنسخون الكتب، وقد استفاضت كتب التراجم والرجال بأخبار هذه الرحلات،
وقد بدأت رحلات المغاربة والأندلسيين إلى المشرق منذ أواخر القرن الثاني
الهجري، مواكبة لحركة الجمع والتدوين، مصاحبة لنشأتها.
ذكر ابو بكر الزبيدي الأندلسي، في ترجمة الغازي بن قيس، المتوفى سنة
199 هـ، قال: "كان ملتزماً للتاديب بقرطبة ايام دخول الِإمام عبد الرحمن بن معاوية
رضي الله عنه الأندلس، ئم رحل إلى المشرق، وشهد تأليف مالك للموطأ، وهو أول
من ادخله الأندلس، وادرك نافع بن أبي نعيم - أحد القراء السبعة - وقرا عليه،
وهو أول من ادخل قراءشه " (1).
وفي ترجمة جودي النحوي المتوفى سنة 198 هـ، قال: "هو جودي بن
عثمان، من اهل مورور -قريباً من قرطبة - ورحل إلى المشرق، فلقي الكسائي
والفراء وغيرهما، وهو أول من أدخل كتاب الكسائي، وله تأليف في النحو" (2).
وهذا قاسم بن أصبغ محدث الأندلس الكبير، يرحل إلى المشرق مع محمد بن
عبد الملك بن ايمن، ومحمد بن زكريا بن ابي عبد الأعلى، فيسمع بمكة ومصر من
علمائهما، ويدخل العراق فيسمع من المبرد وثعلب، ويروي عن ابن قتيبة كثيراً من
كتبه " (3).
وقد رأيت بخزانة القرويين بفاس نسخة عتيقة جداً من كتاب ابن قتيبة المسمَّى:
(1) طبقاب النحويين واللغويين، صفحة 4 5 2، بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم.
(2) المرجع السابق، صفحة 256.
(3) تأريخ علماء الأندلس، لابن الفرضي، صفحة 365، طبعة الدار المصرية للتاليف والترجمة.
91