كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
"تأويل مشكل القرآن " برواية قاسم بن أصبغ هذا، عن ابن قتيبة، بمنزله ببغداد، في
شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين ومائتين.
وتصور لنا كتب التراجم إقبال أهل المغرب على علمائهم العائدين من
المشرق، لسماع ما تلقوه عن علماء مكة والعراق ومصر والشام (1). ولقد بلغ من
حرصهم وشدة تتبعهم أنهم كانوا يسألون كل قادم من المشرق، ولو كان من التجار.
روى الزبيدي عمن أخبره عن عبد الوهاب بن عباس بن ناصج، قال: "كان أبي
لا يقدم من المشرق قادم إلا كشفه عمن نجم في الشعر بعد ابن هرمة، حتى أتاه رجل
من التجار، فأعلمه بظهور حسن بن هانى ء" (2)، يعني أبا نواس.
وقد كان لاستيلاء بني أمية على بلاد المغرب بعد ذهاب دولتهم في المشرق،
أثر كبير في إذكاء روح العربية بتلك البلاد، ويؤثر عن عبد الرحمن بن معاوية
المعروف بالداخل اول خلفاء بني امية بالأندلس، الكثير من البر بالعلماء والِإجلال
لهم، وكذلك سار بنوه من بعده، دعماً لقواعد الملك، واستكمالا لمظاهر الخلافة.
وقد تناهت انباء هذا البر وذلك الِإجلال إلى المشرق، فسعى ادباؤه إلى هناك، حيث
عطايا الخلفاء موصولة بهبات الوزراء. ذكر ياقوت في ترجمة ابي الفرج علي بن
الحسين الأصبهاني صاحب كتاب "الأغاني"، قال: "وله بعد تصانيف جياد فيما
بلغني كان يصنفها ويرسلها إلى المستولين على بلاد المغرب من بني امية، وكانوا
يحسنون جائزته، لم يعد منها إلى الشرق إلا القليل. واللّه اعلم " (3). وقد سمى هذه
التصانيف الوزير جمال الدين القفطي (4).
وهذا أحد اعلام الأدب العربي في المشرق: أبو علي إسماعيل بن القاسم
البغدادي القالي، صاحب كتاب " الأمالي " يفد على القيروان سنة 329 هـ، وقد جلب
في قافلته احمالاً كثيرة من نفائس المؤلفات المشرقية، ما بين لغوية وأدبية وتاريخية،
(1) طبفات النحويين واللغويين، صفحة 275 (ترجمة عفير بن مسعود).
(2) المرجع السابق، صفحة 262، وأيضاَ: تاريخ علماء الأندلس، صفحة 296.
(3) معجم الأدباء 130/ 0 0 1، طبعة دار المأمون.
(4) إنباه الرواة على أنباه النحاة 2/ 252، بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم.
92