كتاب إتحاف الإلف بذكر الفوائد الألف والنيف من سورة يوسف

213 -
الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب، كلفظ التصديق،
فمانه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال:
صدقناه، أو كذبناه، ولا يقال لكل مخبر: امنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت
مؤمن له، أو مكذب له، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو
مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق،
لكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك، وأخالفك، ولا أوافقك، لكان كفره
أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان
ليس هو التصديق فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة
ومعاداة وامتناعا بلا تكذيب، فلا بد أن يكون الإيمان تصديقا مع موافقة
وموالاة وانقياد، لا يكفي مجرد التصديق، فيكون الإسلام جزء مسمى الإيمان،
كما كان الامتناع من الانقياد مع التصديق جزء مسمى الكفر، فيجب أ ن
يكون كل مؤمن مسلما منقادأ للأمر، وهذا هو العمل.
فإن قيل: فالرسول! يم فسر الإيمان بما يؤمن به.
قيل: فالرسول ذكر ما يؤمن به، لم يذكر ما يؤمن له، وهو نفسه يجب
أن يؤمن به ويؤمن له، فالإيمان به من حيث ثبوته غيب عنا أخبرنا به، وليس!
كل غيب امنا به علينا أن نطيعه، وأما ما يجب من الإيمان له؟ فهو الذي
يوجب طاعته، والرسول يجب الإيمان به وله، فينبغي أن يعرف هذا، وأيضا
فمان طاعته طاعة لله، وطاعة الله من تمام الإيان به.
الرابع: أن من الناس من يقول: الإيمان أصله في اللغة من الأمن الذي
هو ضد الخوف، فامن؟ أي: صار داخلا في الأمن، وأنشدوا .. 0 (1)
(1) بياض في الأصول كلها.

الصفحة 213