كتاب إتحاف الإلف بذكر الفوائد الألف والنيف من سورة يوسف

99 -
الذي هو ظرف للسه.
ينبغي لقارئ هذه السورة الكريمة أن لا تكون غايته معرفة معاني
المفردات فقط، ولا الوقوف على السيرة كقصة تاريخية فحسب، ولا استفادة
النكت التي تذكر في علم البلاغة فقط، فإن هذه الأمور وإن كانت مهمة في
ذاتها، لكن هناك ما هو أهم منها جدأ، وذلك كما قلنا هو الإشراف على ما
تضمنته هذه السورة من الأمثال وعجيب التدبير الإلهي، والمسائل الاجتماعية،
والعبر الربانية، فيقف القارئ عند كل مثل وجملة وحرف من حروف المعاني،
ومقدمة ونتيجة، وتأصيل وتفريع، وقاعدة كونية، وتطور مدهش، وانقلاب
سريع.
يجب على قارئ هذه السورة الكريمة أو سامعها أن يلتمس جواهر
معانيها، ويلتمس درر مراميها ومغازيها، ولا يظن أن نتيجتها هي الإخبار عن
حيلة إخوة يوسف حتى أخذوه، أو مغازلة السيدات المصريات ليوسف
وجماله، أو محاورة الجنود المصريين لإخوته حين اتهموا بأخذ الصواع، أو بغير
ذلك، فينصرف بهذا عن الغرض المقصود ويكون مثله مثل الغواص في البحر
الذي كان يلتقط الجواهر ذات القيمة؟ فرأى في عميق الماء سمكة، فزك
الصدف الذي فيه الدر الثمين، وقذف نفسه في اللجة التي فيها السمكة،
فاشتغل بصيدها عن التقاط الجواهر؟ كأنه نسيها أو تناساها أو جهل أنها
تساوي أموالأ كثيرة، وكذلك الأغرار الذين يجمدون عند ألفاظ هذه السورة
وظواهرها ويغفلون أمر التفكير فيما شملته من الحكم والعبر وما تضمنته من
الاجتماعيات وتطور الحوادث، وأسرار ذلك وأسبابه " (1).
(1) "مؤتمر تفسير سورة يوسف " (246 - 247).

الصفحة 99