كتاب تحرير علوم الحديث (اسم الجزء: 1)

فتكون روايته شاذَّة إذا كانت المخالفة لمن هو أتقن منه، وإنما يكون مجرَّد المخالفة قادحاً مؤثِّراً في الراوي إذا كان قليل الحديث.

29 _ قولهم: (لا يتابع على حديثه).
قال ابن القطان الفاسيُّ: " يُمسُّ بهذا من لا يعرف بالثقة، فأما من عرف بها فانفراده لا يضره، إلا أن يكثر ذلك منه " (¬1).
قلت: والأمر كما قال، وأكثر من استعمل هذه العبارة من المتقدِّمين البخاري، وإذا قالها في راو فإنه يعني تفرده بما لا يعرف إلا من طريقه، وفي الغالب هو حديثٌ معيَّنٌ ليس لذلك الراوي سواه، ولذا فهذه اللفظة إذا قالها البخاري في راو فهو تضعيف؛ لأنها غالباً إمَّا في مجهول أو مُقلِّ، ومن كان بهذه المنزلة ولا يروي إلا حديثاً واحد يتفرد به، فلا يحتج به.
وتبعه على استعمالها العقيلي، وأطلقها على جماعة من الرواة هم بهذه المثابة.
لكنه ذكر بعض الثقات أيضاً، وقال فيهم مثل ذلك، وربما أورد الحديث مما يعنيه أن ذلك الراوي لم يتابع عليه.
فقالها مثلاً في سعد بن طارق الأشجعي، وسلام بن سليمان أبي المنذر، وعقبة بن خالد السَّكونيِّ، ويحيى بن عثمان الحربي (¬2)، وغيرهم، وهؤلاء ثقات، والتفرد لا يضر في قبول ما رووا.
وقال في (عبد الله بن خَيرانَ البغدادي) (¬3): " لا يتابع على حديثه "، فتعقَّبه الخطيب فقال: " قد اعتبرت من رواياته أحاديث كثيرة، فوجدتها مستقيمة تدل على ثقته " (¬4).
¬_________
(¬1) بيان الوهم والإيهام (5/ 363).
(¬2) انظر: الضعفاء (2/ 119، 160، و 3/ 355، و 4/ 420).
(¬3) الضعفاء (2/ 245).
(¬4) تاريخ بغداد (9/ 451).

الصفحة 610