كتاب تحرير علوم الحديث (اسم الجزء: 1)

يصح أن تحمل على الشديد المسقط لذاتها، إلا أن يُعدم في الراوي من الأوصاف سِواها.
وهذا الذي ذكرت في بيان معنى هذه العبارة هو الذي يجري عليه الاصطلاح لعامة النقاد، ومنهم البخاري في التحقيق.

تفسير قول البخاري في الراوي: " منكر الحديث ":
حكى أبو الحسن القطان عن البخاري أنه قال في كتابه " الأوسط ": " كل من قلت فيه: منكر الحديث؛ فلا تحل الرواية عنه " (¬1).
هذا النص عن البخاري وجدت من يذكره يعزوه لابن القطان، ولم أجد له ذكراً فيما في أيدينا من مصنَّفَات البخاري، ولما فيه من الشِّدَّة ألحق في رأي بعض متأخري المحدثين بأسوأ مراتب التجريح.
والذي وجدته بالتتبُّع أن استعمال البخاري لهذه اللفظة لا يختلف عن استعمال من سبقه أو لحقه من علماء الحديث، فهو إنما يقول ذلك في حقِّ من غلبت النكارة على حديثه، أو استحكمت من جميعه، وربما حكم عليه غيره بمثل حُكمه، وربَّما وصف بكونه (متروك الحديث)، وربما اتُّهم بالكذب، وربما وصف بمجرد الضعف، وربما قال ذلك البخاري في الراوي المجهول الذي لم يرو إلا الحديث الواحد المنكر.
وهذه أمثلة متفاوتة من الرواة لذلك:
قال البخاري في (إسحاق بن نجيح الملطي): " منكر الحديث "، وهذا رجل معروف بالكذب ووضع الحديث عندهم، ومثله ممن لا تحل الراوية عنه إلاَّ للبيان.
وقالها في (ثابت بن زهير أبي زهير)، وهكذا جاءت عبارات غيره
¬_________
(¬1) بيان الوهم والإيهام، لابن القطان (2/ 264، و 3/ 377).

الصفحة 614