كتاب تحرير علوم الحديث (اسم الجزء: 1)

نعم، ربما دل على شدة ضعف الموصوف بها أيضاً عند الناقد اقترانها بما يدل على ذلك، مثل قول علي بن المديني في (أبي بكر الدَّاهريِّ): " ليس بشيء، لا يكتب حديثه " (¬1)، فعبارة (لا يكتب حديثه) لا تقال إلا في شديد الضعف، ومن يعود ضعفه في الأصل إلى روايته.
وقال يحيى بن معين في (عمر بن موسى الوجيهيِّ): " ليس بشيء "، وفي موضع آخر: " كذَّابٌ، ليس بشيء " (¬2)، وقال فيه داود السجستاني: " ليس بشيء، يروي عن قتادة وسماك مناكير " (¬3)، قلت: وهو معروف بكذبه ونكارة حديثه.
وقال يحيى بن معين في (معلى بن زياد القُردوسيِّ): " ليس بشيء، ولا يكتب حديثه "، فتعقبه ابن عدي بقوله: " لا أرى بروايته بأساً، ولا أدري من أين قال ابن معين: لا يكتب حديثه، وهو عند ي لا بأس به " (¬4).
فتأمَّل استدراك ابن عدي، فلم يتعقب يحيى في قوله: (ليس بشيء)، إنما في قوله: (لا يكتب حديثه)، فدل على أن (ليس بشيء) وحدها عندهم لم تكن تدل على تفسير قدر الجرح لذاتها، ويمكن حملها على أدنى الجرح عندما يتبين من حال الراوي أنه لا يتجاوز ذلك.
ويلتحق بها قولهم: (لا يساوي شيئاً)، وإن كانت قليلة الاستعمال، فقد تتبعها فوجدتها كذلك.
¬_________
(¬1) سؤالات ابن أبي شيبة (النص: 205)، واسمُ الداهري عبْد الله بن حكيم.
(¬2) سؤالات ابن الجنيد (النص: 272، 535).
(¬3) سؤالات الآجري (النص: 152).
(¬4) الكامل (8/ 98) وفيه (8/ 97) نقل قوْل ابنِ معين من رواية ابن أبي مَريم عنهُ بإسناد صحيح. وهذا الرجل يَبدو أن الرواية فيه عن ابن مَعين قد تناقضت، فقد روى عنه إسحاق بنُ منصور قوله فيه: " ثقة " (الجرح والتعديل 4/ 1 / 331)، وهوَ الصواب فيه، وقد وثَّقه كذلك أبو حاتم الرازي وغيره. ورُبما قالَ يحيى تلك العبارة في رواية ابن أبي مريم في (مُعلَّى) آخر، والله أعلم.

الصفحة 621