كتاب تحرير علوم الحديث (اسم الجزء: 1)

وفي معناها قولهم: (ذاهب الحديث)، و (ساقط الحديث)، و (واهي الحديث).
فإذا لم تضف للفظ (الحديث)، كقولهم: (متروك) و (ذاهبٌ) و (ساقط) و (واه)، فأغلب ما استعملت له هو ذات المعنى بالإضافة، لكن قد يراد به غير ذلك، فتفطن، وابحث عن وجهه في كلمات سائر النقاد، فلن تعدم وجهه إن شاء الله.

39 _ قولهم: (تركه فلان).
هذه صيغة جرح، ولا تلازم بينها وبين صيغة (متروك) أو (متروك الحديث)؛ فقد يراد بها ذلك، وقد يراد بها أن الناقد ترك ذلك الراوي لمجرد ضعفه عنده.
ومن أبرز النُّقُّاد الذين يجدر بك أن تلاحظ طريقتهم في ذلك: الإمامان يحيى بن سعيد القطان، وصاحبه عبد الرحمن بن مهدي، وأكثر من نقل عنهما الحافظان: عمرو بن على الفلاس، ومحمد بن المثنى الزمن.
فقد كان علماء هذا الفن والمصنِّفُون فيه يزنون النقلة من خلال ما بلغهم من اختيار هذين الإمامين، في موضع اتفاقهما وافتراقهما.
وطريقة يحيى معروفة عندهم بالتشدد، وطريقة ابن مهدي بالاعتدال، فإن اتفقا على ترك الراوي، فلا يكاد جرحه يندمل، وإذا اتفقا على الرواية عنه فقد جاز القنطرة، وإذا افترقا، فقبله ابن مهدي وتركه يحيى فعندئذ يغلب الاعتدال، فيكون رأي ابن مهدي أرجح عند النقاد، أو قبله يحيى وتركه ابن مهدي رجح القبول بطريقة الأولى، لكن حال اختلافهما لا يعني أن يكون القبول فيه بمعنى الاحتجاج، كما لا يكون الترك بمعنى السقوط، بل ربما كان الراوي في موضع من يكتب حديث للاعتبار.

الصفحة 626