كتاب تحرير علوم الحديث (اسم الجزء: 2)

المبحث الثاني:

منزلة هذا العلم والطريق إليه

هذا العلم من علوم الحديث من أشرفها وأعظمها قدراً، وهو علم لا تتهيأ المعرفة به إلا بصبر طويل، وسعة تحصيل، ودراية بمقدمات في هذا العلم تكتسب بالخبرة، ويقود إليها عمق النظرة، لا يقتصر فيه على حفظ ظاهر، بل هو بحفظ وتحقيق، اقترن فيه الأخذ بالأسباب بالتوكل الموجب للتوفيق.
وهو علم تخصص، كأي تخصص، لا يجرؤ عليه من ليس من أهله إلا سقط، ولا من لم يتأهل فيه بعد إلاَّ أكثر الغلط، فتخيله إن شئت فيمن تعرض لتطبيب إنسان، وما له نصيب في دراسة طب الأبدان، أو طالب أقبل على علم الطب بالكلية، لكنه لم يكتسب من الأهلية ما يمكنه معه إجراء عملية جراحية، فهل ترى يستغرب من عاقبة استعجاله هلاك نفس بشرية؟
فعلم (علل الحديث) هو علم الطب لأبدان الأحاديث المروية، وليس الذكي فيه من شخص ظاهر العلل، فذلك باد بالحسن، وإنما الذكي من اكتشف العلل الباطنة الخفية.
فلهذا، كانت معرفة هذا العلم صعبة إلا على من فتح الله عليه ومنحه من فضله، بصدق تحصيله له وسلامة قصده، مع السعي الدؤوب للبلوغ مبلغ أهله.

الصفحة 645