كتاب تحرير علوم الحديث (اسم الجزء: 1)

فترى أحدهم يبني الأحكام على ضعيف الأخبار، بل على ما لا أصل له وباطل من الرّوايات؛ لأنّه لا يدري الصّحيح من السّقيم، فهذا حين يفرض على النّاس شيئاً أو يحرّم عليهم، وكان قد بنى على رواية لا تصحُّ، فقد نسب إلى الدّين ما ليس منه، وأورد الحرج على المكلّفين فيما أتاهم به من حُكم بناه على غير أساس، فكم يحمل على كاهله من حرج؟! بل مثل هذا لا يُدرى ممن علمِه في التّحقيق ما بُني على دليل صحيح وما بُني على غيره، وهو نفسه لا يعرف ذلك.
قال علي بن الحسن بن شقيق المرْوزيّ (وكان ثقة): سمعت عبد الله (يعني ابن المبارك) يقول: " إذا ابْتليتَ بالقضاء، فعليك بالأثر "، قال عليّ: فذكرته لأبي حمزة محمد بن ميمون السّكريّ، فقال: " هل تدري ما الأثر؟ أن أحدّثك بالشّيء فتعمل به، فيقال لك يوم القيامة: من أمرك بهذا؟ فتقول: أبو حمْزة، فيُجاء بي، فيقال: إنّ هذا يزعم أنّك أمرته بكذا وكذا، فإن قلت: نعم، خلّي عنك، ويقال لي: من أين قلت هذا؟ فأقول: قال لي الأعمش، فيُسأل الأعمش، فإذا قال: نعم، خلّي عنّي، ويقال للأعمش: من أين قلت؟ فيقول: قال لي إبراهيم، فيُسأل إبراهيم، فإن قال: نعم، خلّي عن الأعمش، وأخذ إبراهيم، فيقال له: من أين قلت؟ فيقول: قال لي علقمة، فيُسأل علقمة، فإذا قال: نعم، خلّي عن إبراهيم، ويقال له: من أين قلت: فيقول: قال لي عبد الله بن مسعود، فيُسأل عبد الله، فإن قال: نعم، خلّي عن علقمة، ويقال لابن مسعود: من أين قلت؟ قال: فيقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيُسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قال: نعم، خلّي عن ابن مسعود، فيُقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فيقول: قال لي جبريل، حتى ينتهي إلى الرّبّ تبارك وتعالى، فهذا الأثر، فالأمر جدٌ غير هزل؛ إذْ كان يشفي على جنّة أو نار، ليس بينهما هناك

الصفحة 8