كتاب غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية

وهكذا لما أخرجه المشركون المعاندون والمخالفون لأمره من مكَّة، قال أبو بكر رضي الله عنه: "أخرجوا نبيّهم، ليهْلَكُنَّ". فنَزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَِلُون بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِم لَقَدِيرٌ} . [سورة الحجّ، الآية: 39] .
فقال أبو بكر رضي الله عنه: "لقد علمت أنه سيكون قتال".
قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما ـ: "وهي أوّل آية أُنزلت في القتال"1.
وكان ذلك من باب المعاملة بالمثل، كما ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عنه، قال: "إنّ الله أمرني أن أحَرِّق قريشاً، فقلت: ربّ إذن يثلغوا2 رأسي فيدعوه خبزاً، قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك مَن عصاك"3.
وهكذا شرع الله الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم عندما كانوا بمكّة كان المشركون أكثر عدداً، فلو أُمر المسلمون، وهم قليل، بقتال الباغين لشقّ عليهم، فلمّا بغى المشركون، وأخرجوه - عليه السلام - من بين أظهرهم، وهمّوا بقتله، واستقرّ عليه السلام بالمدينة، واجتمع عليه أصحابه، وقاموا بنصره، وصارت المدينة دار إسلام، ومعقلاً يلجأون إليه،
1 أخرجه الترمذي وحسّنه. (انظر: المباركفوري: تحفة الأحوذي 9/14-15) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/76، 3/8-9) ، وصحّحه. ووافقه البيهقي.
2 ثلغ رأسه: شدخه.
3 أخرجه مسلم (الصحيح 10/314) .

الصفحة 12