كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 3)
فالأديان كلها تؤكد أن اللَّه خلق آدم من طين ونفخ فيه من روحه، وهذا ما أكده القرآن العظيم وأثبته في مواضع عديدة، وعلى ذلك فالإنسان مخلوق من عدم، مكرّم عند خالقه الذي أوجد له منهجًا وبين له سبلًا وأوضح له غاية الحياة وغاية وجوده في الحياة، والذي يريد منه أن يتسامى صعودًا إلى مدارج الكمال الاعتقادي والعقلي والنفسي والعملي، في صلة وطيدة بالسماء.
أمَّا المذهب المادي الإلحادي المعاصر فإن أساس عقيدته تقوم على أن الإنسان كائن مستقل بذاته، لا علاقة له بخالق، إذ لا وجود لخالق عندهم أصلًا، بل الطبيعة هي التي تشرف على الحياة في الكون وهي التي تتدخل في عملية النشوء والارتقاء، وهي التي وصلت في نهاية الأمر إلى خلق الإنسان وتكوينه هذا التكوين المتميز وهي التي منحته أعضاء الجسم وغرائز النفس.
وهم بطبيعة هذه المغالطة المضحكة ينكرون أصلًا خلق آدم من روح وطين، ويسمعون إلى إلغاء أي اعتقاد يربط الإنسان بخالقه، وتحطيم أي صلة تصل بين الأرض والسماء، من خلال ما وضعوا من المذاهب والمناهج والنظم التي ترسخ نزع الكرامة الإنسانية وإلغاء النفحة الإلهية عن الإنسان، والسعي بصورة حثيثة في "تحقير" الإنسان، وتصويره في صورة مادية حيوانية، على أساس أنه مجموعة من الغرائز والشهوات لا يُمكن له أن يرتفع عن واقع الأرض المادي، ولا يستطيع أن ينطلق من قيد الغريزة مطلقًا.
لقد بدأت هذه الفرية المادية إثر سلسلة من الصراعات بين الدين النصراني المحرف، والمعطيات العلمية والعقلية انتهت سلسلة هذه الحلقات إلى الباحث الإنجليزي "تشارلزداروين" الذي نشر في عام ١٨٥٩ م/ ١٢٧٥ هـ كتابه "أصل الأنواع" الذي يدور حول فرضية تطور الحياة في الكائنات الحية من دور بسيط إلى دور أرقى ثم أرقى، وتدرجها من العشوائية وعدم الدقة إلى الدقة والتركيب المعقد، كل ذلك تحت إشراف وتوجيه الطبيعة التي فرضت قانون "الانتخاب الطبيعي وبقاء الأنسب"! ! وأن الكائنات العضوية
الصفحة 1542
2321