كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 3)
"نتاجًا للمادة" وتهبط به إلى مستوى الحيوان، بينما كتب أستاذ الجيولوجيا في جامعة كمبريدج آدم سيد غويك يقول: "إن التسليم بالداروينية سيهبط بالجنس البشري إلى درك من الانحطاط لا مثيل له في التاريخ الإنساني" وأخذ البعض يتساءل عما إذا لم يكن داروين شوفيهاور (¬١) آخر، حيث أن نظريته تعلم البشر أن الصدفة وحدها والإرادة العمياء هما اللتان تحكمان العالم. . . فالفكرة المنطوية عليها الداروينية، والقائلة بأن الإنسان ليس ابن اللَّه الفريد (¬٢) من نوعه، وليس له روح أو نفس، بل إنه متحدر من أيميبة "حيوان وحيد الخلية" وارتقى من خلال سلسلة من حيوانات أخرى، كانت فكرة تبعت أبدًا على الارتياح، وكذلك أيضًا حال الفكرة الموحية بأن الحياة هي صراع مجرد من كل قيمة أخلاقية، وأن الطبيعة دامية الناب والمخلب ومملؤة بالألم والموت، والتضحية بما لا يعد ولا يحصى من الأفراد على مذبح النوع، زد على ذلك إيحاء داروين أن الكون لا يزيد عن كونه صدفةً وحظًا.
ومع أن داروين أو ما في كتابه ببعض إيماءة لتهدئة سخط رجال الدين، غير أنه لم يكن بالإنسان المتدين، كما أن تدينه تناقص شيئًا فشيئًا، مع مرور الزمن، وقد شرح في كتاب "سيرته الذاتية" كيف أنه رفض، قرابة عام ١٨٤٠ م الدين المسيحي ثم تخلى كليًا عن الإيمان بوجود اللَّه، الأمر الذي يبدو جليًا في آخر صفحتين من كتاب أصل الأنواع، ولا ريب أن داروين كان يدين، كنصيره الشهير، توماس هكسلي، باللاأدرية) (¬٣).
ثم يقول: (. . . إن العالم الطبيعي الأمريكي والأستاذ في جامعة هارفرد لويس أجاسيسز لم يسلم بنظرية داروين وقد كرس بقية عمره لدحض
---------------
(¬١) هكذا والصواب: شوبنهاور.
(¬٢) هذا القول حسب عقائد النصرانية المعرفة، واللَّه تعالى منزه عن الوالد والولد -جلَّ وعلا وتقدَّس- ويدلنا هذا اللفظ على أن أرضية الخرافة الدينية النصرانية هي التي هيأت للأفكار المادية الإلحادية سوق الانتشار السريع التي جرفت في طريقها كل الدين، وأبدلت مكانه دينًا آخر يقوم على تأليه المادة أو الطبيعة أو الإنسان.
(¬٣) تاريخ الفكر الأدبي لرونالد سترومبرج ٣/ ١٧٧ - ١٧٨، طبعة مؤسسة عكاظ.
الصفحة 1547
2321