كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 3)

الرعناء، وسدنة هذه الأوثان الخرقاء، ولكن تحت مظلات من حرية الفكر والمثاقفة وتوسيع المدارك، والحوار الحضاري والعقلانية وغير ذلك من الشعارات البراقة الواهنة وهن بيت العنكبوت {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)} (¬١).
ثالثًا: الواقع والخيال، حقيقتان فطريتان في داخل نفس الإنسان متصلتان بقضية الروح والجسد وقضية الحسي والمعنوي.
فطاقة الواقع في الإنسان مرتبطة بالجانب الحسي المرتبط أصلًا بالجسد، وتتصل بواقع الحياة المحسوس فتعمل فيه وتحقق إنتاجًا واقعيًا ملموسًا.
وطاقة الخيال ذات اتصال وثيق بالجانب المعنوي والغيبي في الإنسان، ومجال الخيال يعمل في تصور ما وراء الحواس، ويقوم على التفكير التصوري التجريدي، وبين الواقع والخيال تواصل وتشابك داخل النفس الإنسانية بصورة لا يدركها أحد إلّا اللَّه تعالى.
وترتبط طاقة الخيال بالجانب العاطفي الشاعري الوجداني وتتصل بالقيم والعواطف والأحاسيس ولكنها لا تنفصل تمام الانفصال عن الواقع (¬٢).
وإذا نظرنا إلى المذاهب الأرضية المعاصرة وموقفها من قضية الخيال والواقع، وجدنا أنها جنحت إما إلى خيالية مفرطة هائمة في الأوهام والأحلام، وإمّا إلى واقعية جافة حيوانية مادية حسية.
وأظهر الأمثلة على هذين الانحرافين: "المذهب الرومانسي، والمذهب الواقعي"، فالرومانسية أو الرومانتيكية تقوم على التمرد على الواقع وضوابط
---------------
(¬١) الآيات ٤١ - ٤٣ من سورة العنكبوت.
(¬٢) انظر: دراسات في النفس الإنسانية: ص ١١١ - ١١٩، ومنهج التربية الإسلامية ١/ ١٤٨ - ١٥٠.

الصفحة 1557