كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 3)
الرابع: الإيمان بغيبيات تناسب أهواءهم وضلالاتهم.
* * *
الوجه الأول: جحد الغيبيات الحقيقية الثابتة التي جاء بها الإسلام:
كل ما أخبر به الوحي فهو حق ثابت لا مرية فيه، هذه قاعدة ثابتة عند كل من رضي باللَّه ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيًا.
ولكنها عند الملاحدة والمرتابين ليست بشيء، وذلك من مقتضيات كفرهم وضلالهم، ومن لوازم انحرافهم وجاهليتهم، ومن توابع ماديتهم وحيوانيتهم.
وقد مرّ معنا في ثنايا هذا البحث نماذج عديدة من جحدهم للغيبيات، فقد جحدوا وجود اللَّه تعالى، وأنكروا كونه خالقًا مدبرًا إلهًا معبودًا.
وجحدوا وجود الملائكة الكرام عليهم السلام، وجحدوا وجود الرسل وصدقهم، والوحي الموحى به إليهم، وجحدوا اليوم الآخر وكل ما فيه، والقدر وكل مراتبه وأركانه، وجحدهم لهذه القضايا -بل لجزئية واحدة من إحدى هذه القضايا- يجعلهم في ضفة غير ضفة الإسلام، فكيف وقد جمعوا الشر من أقطاره، واحتقبوا الباطل بأنواعه، وتلبسوا بألوان الضلالات، بل بأعظم أنواعها؟ .
إن المتأمل في حال هؤلاء القوم يجد أنهم في فرارهم من الإسلام وانحدارهم إلى عدم الإيمان باللَّه تعالى يظنون أنهم قد تحرروا، وهم في الحقيقة قد هبطوا بأنفسهم من الإيمان الحق في شموخه ورحابته وسماحته، إلى الإيمان بمذاهب ضيقة متزمتة! ! .
ولن أعرض هنا جحودهم لأركان الإيمان التي سبق الحديث عنها، بل لبعض الغيبيات الأخرى التي لا تندرج تحت أحدٍ من هذه الأركان.
وقد بينت في مواضع عديدة بعض الدوافع التي حدت بهؤلاء إلى الوقوف من قضايا الإسلام وعقائده هذا الموقف، وبينت الأساس الفكري والمذهبي الذي بنوا عليه عقائدهم المناقضة للإسلام، وناقشت في مواضع
الصفحة 1565
2321