كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

وألسنة ومواقف العلمانيين من الذين امتهنوا الكتابة شعرًا أو قصة أو نقدًا أو دراسة أدبية مع الآخرين الذين امتهنوا السياسة ممارسة أو تفكيرًا، ولا تكاد عند التمعن والتأمل أن تجد فارقًا بين هؤلاء من حيث أصل المعتقد المنحرف القائم أصلًا على عزل الدين الإسلاميّ عن مناشط الإنسان أو عن بعض مناشطه، وإن وجدت الفوارق فهي في الشكل والأسلوب والموقع.
أمَّا الهدف النهائي لدى عصبة العلمنة والحداثة فهو تقليص أثر الإسلام في الواقع، وحصره في المسجد أو في المشاعر المقدسة، تمهيدًا للقضاء عليه بالكلية، ففي خطاب مشابه لخطاب فرج فوده يرد أحد كبار الحداثيين على كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" الذي ألفه الأخ الشيخ الدكتور عوض القرني وقدم له سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه اللَّه تعالى-، يرد هذا الحداثي بمقال طويل سماه "إسلام النفط والحداثة" أسقط من خلاله عقده النفسية والفكرية والخلقية، وكشف عن مقدار ما يعانيه عقله الكليل من تشوهات، وما ينوء به رأسه من انحرافات اعتقادية، تمثل صورة مكررة لانحرافات أساتذته من قبله وتلامذته من بعده، فيقول: (إن إسلام النفط يمتح من المخزون النقليّ "الاتباعيّ" الذي ظل معاديًا للحداثة طوال عصور التراث، ويؤسس علاقة متميزة بفكر الحنابلة الذي تمثله كتابات ابن الجوزي (¬١) وابن تيمية (¬٢) بوجه خاص، وهي كتابات لها علاقاتها الأصولية التاريخية بالمذهب الوهابيّ، أهم المذاهب النقلية السائدة في منطقة
---------------
(¬١) هو: الشيخ الإمام العلامة الحافظ المفسر جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، يصل نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، الحنبلي الواعظ، صاحب التصانيف الكثيرة، له عبادة ونسك وجمال طلعة وحسن معاشرة وطيب مظهر، توفي -رحمه اللَّه- سنة ٥٩٧ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٦٥، والعبر ٣/ ١١٨، والبداية والنهاية ١٣/ ٢٨.
(¬٢) هو: شيخ الإسلام وعلم الأعلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، أشهر من أن يعرَّف، طبَّقت شهرته الآفاق، واتفق على سعة علمه وعمق فهمه الموافق والمخالف، وسارت مصنفاته وعلومه مسير الشمس، وكانت سيرته العملية في الدعوة والعلم والجهاد والجهر بالحق من أعجب السير، توفي -رحمه اللَّه- وهو مسجون في قلعة دمشق سنة ٧٢٨ هـ. انظر: شذرات الذهب ٦/ ٨٠، والعقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية لابن عبد الهادي، والأعلام العليّة في مناقب ابن تيمية.

الصفحة 41