كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

قدرته على تخطي الحدود وتجاوز عقبات الفوارق الجنسية واللغوية ولاسيما في عصرنا هذا الذي سهل فيه انتقال المعرفة والثقافة والآداب عبر أجهزة التقنية المتطورة وعبر الوسائل التقليدية كذلك (¬١)، فأصبح هو بذاته عقيدة عند الملتزمين بمذاهبه الفكرية الاعتقادية، وإن صُورت على أنها مدارس فنيه أو مناهج إبداعية، فهي في حقيقة الأمر عقائد عند أصحابها يسعون في نشرها، ويدافعون عنها، وباسمها يقبلون ويردون ويوالون ويعادون.
هذه قاعدة النظر في هذه المسألة التي يتضح من خلالها قوة العلاقة بين الأدب والاعتقاد من جهة النظر ومن جهة الممارسة.
والمتأمل في أي إنتاج أدبي يجد أن صاحبه لابد أنه ينطوي في قرارة نفسه على عقيدة معينة وتجول في عقله أفكار معينة، ومن المسلم به بداهة أن هذه العقيدة وهذه الأفكار هي المحضن الأساسيّ لما ينتجه الشاعر أو القاص أو الناقد، وأن ما يطلق عليه "الإبداع الفنيّ، أو التجربة الشعورية، أو الإلهام الشاعريّ" كل ذلك يمر بمراحل متداخلة في نفس الأديب ويعبر عبر قنوات متشابكة بعضها مبهم خفيّ وبعضها واضح جليّ، فأمّا المبهم الغامض فهو التكوين النفسي الذاتيّ لكل شخص والمتراكم من خلال خصائص الشخص النفسية الذاتية التي فُطر عليها ثم من خلال معايشته لأسرةٍ ومجتمع وأحداثٍ تتراكم في أغوار نفسه وتكون جزءًا من شخصيته ثم بالتبع جزءًا من تفكيره ومشاعره.
وأمَّا الواضح الجليّ من قنوات التأثير فأهمها الاعتقاد والأفكار المكتسبة، فإن لهذه من التأثير في الجوانب الخفية، والظاهرة والأعمال والممارسات والسلوك أبلغ الأثر وأظهره، وقد اهتم الدارسون المعاصرون بالجانب النفسانيّ واستعانوا بعلم النفس الحديث في قضايا النقد (¬٢)، كما أنه توجد دراسات عديدة حديثة لآثار العقيدة والفكر والاتجاه السياسيّ
---------------
(¬١) انظر: الفصل المتميز في كتاب مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي والذي سماه مؤلفه "العقيدة ومحاضِن العمل الأدبي": ص ١٥ - ٤٢.
(¬٢) انظر -مثلًا-: كتاب الأسس النفسية للإبداع الفني للدكتور مصطفى سويف، وكتاب التفسير النفسي للأدب للدكتور عزّ الدين إسماعيل.

الصفحة 45