كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

ذات الجذور الوثنية، فيجعل منها ثوبًا للَّه تعالى اللَّه وتقدس:
(يارب اشهد
هذا ثوبك
وشعار عبوديتنا لك
وأنا اجفوه، أخلعه في مرضاتك
يارب أشهد) (¬١).
ويلوي رأسه مع خرافات وضلالات الصوفية واصفًا اللَّه تعالى بما يتنزه عنه -جلَّ وعلا- ونافيًا عنه ما اتصف به سبحانه، فيجعل اللَّه هو نور الكون، وينفي صفة العينين للَّه في سياق حوار مع من يسأله عن ذلك، ويجعل هذه الصفة بمثابة القفل على القلب في قوله تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (¬٢)، أي: كما أن العقل -عنده- ليس حقيقيًا فكذلك عين اللَّه تعالى ليست حقيقة، وهذا هو اعتقاد المعطلة وأشباههم ممن ضلوا في هذا الباب.
ثم يستطرد في كلامه جاعلًا نور اللَّه هو المصباح، وجاعلًا من نفسه بضعة من اللَّه -تعالى اللَّه وتقدس- بل جعل اللَّه تعالى متفرقًا في الناس، وهي عقيدة الحلول الإلحادية التي نهايتها جحد وجود اللَّه، وجعل الإنسان إلهًا مثل اللَّه تعالى، وهنا يلتقي المقصد الصوفي الزنديقي مع شقيقه الحداثي في الوصول إلى مآربهم الأصلية وهي جحد وجود اللَّه وربوبيته وألوهيته، وتأليه الإنسان والكون والحياة.
هذا كله قاله صلاح عبد الصبور في مسرحية الحلاج على لسان الحلاج:
(أراد اللَّه أن تجلى محاسنه، وتستعلن أنواره
فأبدع من أثير القدرة العليا مثالًا، صاغه طينا
---------------
(¬١) المصدر السابق: ص ٤٨٨ - ٤٨٩. انظر: الملحوظة السابقة في هامش "١" ص ٥٦٥.
(¬٢) الآية ٢٤ من سورة محمد.

الصفحة 566