كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

بيد أن تقليدهم للغرب قام على سوقه في أبواب الفلسفات والعقائد والمبادئ والأفكار، ولم يفلحوا أدنى فلاح في اقتباس ما يلزم للنهضة التقنية والإدارية، بل غرقوا في حمأة الفلسفات الإلحادية والمادية والإباحية التي زعم الغرب أنها هي أصل التقدم التقني.
وما الحداثة التي اخترمت حيزًا من أبناء المسلمين وألقت بهم في أتون الشكوك والجحد والرفض والوجودية، إلّا صورة من صور الاقتباس والنقل الذي مارسته المدارس الحداثية العربية.
لقد أخذوا الحداثة بأوصابها وأخلاطها وإلحادها وفضائحها وضياعها، وهذا ما عبر عنه أحدهم قائلًا: (لعل إشكالية الحداثة هي الأكثر لبسًا بين الإشكالات الثقافية والفنية إلتي شهدتها لوحة الثقافة العربية الراهنة.
ويبدو أن هذا اللبس والغموض المحيط بها ليس سمة الحداثة في حقل تداولها الاصطلاحي والدلالي العربي فحسب، بل هي ولدت في سياقها الغربي متلبسة باللبس والشك والقلق، والعقل المزدحم بتمزقاته وانشراخه في إضفاء التجسيد والحسية على عالم المجردات، عبر التعايش المأزوم تجاه الكامن في داخل الإنسان الحديث، الذي يعيش حالة تضاد بين نزعة مضادة للطبيعة وحنين متعاظم تجاه هذه الطبيعة الضائعة حيث لا أفق سوى العدمية والاستلاب، بعد إعلان نيتشه موت اللَّه وموت الجمال معه، والفن لم يعد يعوض عن الحياة بل يساهم في تعميق الاستلاب نحوها، فسيموت الفن تاركًا إيانا في العراء، حيث الشمس السوداء للسأم والسوداوية شمس الفرح الحمراء وقمر الكارثة الشاحب، فالعالم لا يزال مقلوبًا على الرغم من حلم ماركس بإقافه على قدميه. . .
إن الباحث وهو يجهد لاكتشاف خصائص ومميزات الحداثة وسط العوالم القاحلة والعراء الروحي إلّا من الشمس السوداء وقمر الكارثة الشاحب لابد أن يقر بصعوبة الإحاطة بكليتها عبر تناقضاتها وتفتت رؤيتها لذاتها وللعالم. . . وهي إذ تطمح لإلغاء الطبيعة عبر تشييئها التقني لا تلبث أن تنتحب حنينًا إلى فردوس الطبيعة المفقود، فقد اغتالت اللَّه والجمال

الصفحة 584