كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

تهميشه بعد ذلك هو أن القرآن حادث مخلوق ارتبط إيجاده وإنزاله بحاجة البشر وتحقيقًا لمصلحتهم، ومن السهل أن ندرك أن هذا المعنى النقيض كان جزءًا من بنية فكرية أخرى تطرح رؤية للعالم والطبيعة والإنسان تتسم بالحيوية والديناميكية. . . وغني عن القول أن تلك الرؤية النقيضة هي التي أبدعت وأنجزت في مجال المعرفة العلمية تلك الإنجازات التي أفادت منها أوروبا. . .
وإذا كان معنى قدم القرآن وأزلية الوحي يجمد النصوص الدينية ويثبت المعنى الديني، فإن معنى حدوث القرآن وتاريخية الوحي هو الذي يعيد للنصوص حيويتها، ويطلق المعنى الديني -بالفهم والتأويل- من سجن اللحظة التاريخية إلى آفاق الالتحاق بهموم الجماعة البشرية في حركتها التاريخية. . . إن القول بحدوث القرآن يظل ذا أهمية تاريخية من حيث المعنى والدلالة. . . الذي ندعو إليه هو عدم الوقوف عند المعنى في دلالته التاريخية الجزئية، وضرورة اكتشاف المغزى الذي يُمكن لنا أن نؤسس عليه الوعي العلمي التاريخي.
إن النصوص الدينية ليست في التحليل الأخير سوى نصوص لغوية) (¬١).
في هذا النص المليء بالمغالطة والكذب والضلال والانحراف تساوق مزدوج يبدأ من ذيول المعركة الخاسرة بين أهل السنة والمعتزلة، وينتهي إلى المعركة العلمانية الحديثة التي سوف تنتهي بالهزيمة للضلال كما انتهت قبلها كل معارك الكفر ضد الإسلام.
وإذا كان علماء المسلمين في القرن الماضي شنوا هجومهم المبارك على المستشرقين وكشفوا بالحقائق والبراهين زيفهم وكذبهم وتحاملهم، فإنهم اليوم في حاجة شديدة إلى حملة أخرى ضد أذيال المستشرقين والملاحدة الغربيين من أمثال هذا الأفاك.
إن نفيه لصفة العلم للَّه تعالى وتهكمه بها، ثم نفيه لصفة الكلام وجعله
---------------
(¬١) قضايا وشهادات ٢ صيف ١٩٩٠ م/ ١٤١٠ هـ: ص ٣٨٨ - ٣٨٩.

الصفحة 587