كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)
القرآن مخلوقًا، ثم زعمه بأن قول أهل السنة هو أن القرآن قديم، كل ذلك من الكذب المفترى والإفك المبين، وهو نموذج من نماذج الحداثة الفكرية التي يراد لها أن تكون هي السائدة والشائعة، من خلال هيمنة سياسية عميلة، وإعلام مسخر للشر والفساد والإفساد، ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم.
وإذا كان نصر أبو زيد قد استعذب أقوال معلميه من الملاحدة الكافرين فأضحى مرددًا لها، فإن في حقائق العقل ويقينيات الدين وقطعيات البراهين ما يدحض أوهامه التي يحاول أن يصورها في شكل علم وبرهان، وهي في الحقيقة ليست سوى دعاوى مدعمة بأدلة الكذب والأوهام.
إن غاية مراده من كل أباطيله أن يصل إلى جعل الدين ونصوصه المقدسة مجرد نصوص لغوية -كما قال- يُمكن نقضها ونقدها ومخالفتها ومحاربتها تحت شعار أنها ذات (. . . دلالات مفتوحة وقابلة للتجدد مع تغير آفاق القراءة المرتهن بتطور الواقع اللغوي والثقافي) (¬١).
وما دمنا نتحدث في مجال وصف أهل الحداثة للَّه تعالى بأوصاف النقص، فإن من المناسب أن نذكر بعض مرامي هذا المفتري في كلامه السابق. .، فإنه بعد أن قدم بتلك المغالطات الواضحة واستند إلى أقوال المعتزلة مبجلًا مطريًا، أعاد باطله في صيغة أخرى حيث قال: (. . . فالقرآن كلام اللَّه وكذلك عيسى عليه السلام رسول اللَّه وكلمته. . .، وإذا كان القرآن قولًا ألقي إلى محمد عليه السلام، فإن عيسى بالمثل كلمة اللَّه. . .، والوسيط في الحالتين واحد وهو الملك جبريل الذي تمثل لمريم بشرًا سويًا وكان يتمثل لمحمد في صورة أعرابي، وفي الحالتين يُمكن أن يقال: أن كلام اللَّه قد تجسد في شكل ملموس في كلتا الديانتين: تجسد في المسيحية في مخلوق بشري هو المسيح، وتجسد في
---------------
(¬١) قضايا وشهادات ٢ صيف ١٩٩٠ م/ ١٤١٠ هـ: ٣٩٠.