كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

الإسلام نصًا لغويًا في لغة بشرية هي اللغة العربية، وفي كلتا الحالتين صار الإلهي بشريًا، أو تأنسن الإلهي) (¬١).
ثم يكرر القول: (أصبحنا في موقف يسمح لنا بالقول بأن النصوص الدينية نصوص لغوية شأنها شأن أي نصوص أخرى في الثقافة. . . وإذا كنا هنا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية فإن هذا التبني لا يقوم على أساس نفعي إيديلوجي. . .) (¬٢).
إن منتهى هذه الأقوال نفي الدين بكامله، وجحد الألوهية بالكلية، ومناقضة الإسلام تمام المناقضة، لكن بطريق متلوي وتحت مسميات الدراسة اللغوية والألسنية البنيوية، فنفي صفة الكلام للَّه وجعلها مخلوقة، والخلط بين كلام اللَّه تعالى الذي هو صفة من صفاته ومنه القرآن العظيم وبين المخلوق بأمر اللَّه تعالى وهو عيسى عليه الصلاة والسلام، كل ذلك من أبواب التلبيس والتدليس والمغالطة.
فاللَّه -جلَّ وعلا- خالق، وكل شيء سوى اللَّه تعالى وصفاته مخلوق، وكلام اللَّه صفة من صفاته والقرآن كلام اللَّه منزل غير مخلوق، وعيسى عليه الصلاة والسلام مخلوق وبأمر من اللَّه وكلام منه -جلَّ وعلا- وأمر وكلامه من صفاته وليست مخلوقة، كما قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (¬٣) فقد فرق -جلَّ وعلا- بين الأمر والخلق ليدلنا على أن الأمر غير الخلق ولو كانا شيئًا واحدًا لما فرق بينهما.
ولسنا هنا في مقام الدحض لأقوال أبي زيد على طريقة محاجة أهل السنة لمخالفيهم من أهل الملة؛ لأن كلامه ينبع ويصب في حقول الإلحاد المظلمة، ويكفيه إلحادًا أنه جعل كلام اللَّه تعالى مخلوقًا بل جعله مجرد نصوص لغوية مثل الشعر والقصة والرواية، بل تبنى القول ببشرية النصوص الدينية حسب تعبيره، وواحدة من هذه تخرج من الملة فكيف وقد اجتمعت كلها؟ ! ، نسأل اللَّه العافية والسلامة، ونعوذ باللَّه من الكفر وأهله.
---------------
(¬١) و (¬٢) المصدر السابق: ص ٣٩٠ - ٣٩١.
(¬٣) الآية ٥٤ من سورة الأعراف.

الصفحة 589