كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

وعلى منوال التنقص الذي اتخذته الحداثة شعارًا لها وأساسًا لمنطلقاتها، يتحدث حسن حنفي عن صفات اللَّه تعالى باعتجارها مجازًا في حين أن صفات المخلوق -كما يزعم- حقيقة، مستندًا إلى أقوال بعض المبتدعة من السابقين، زاعمًا أن سؤالًا وجه إلى أحد علماء اللغة القدامى: (والسؤال هو: أيهما أصح؟ هل اللَّه عالم قادر سميع بصير متكلم مريد بالحقيقة، وأنا كذلك بالمجاز؟ أم أن اللَّه عالم قادر حي سميع بصير متكلم مريد بالمجاز، وأنا كذلك بالحقيقة؟ )، ثم يقول بأن عالم اللغة هذا انتهى: (لأن يقول بأن الرأي الثاني هو الأصح. . . إن هذه أشياء حقيقة عندي، فأنا أسمع وأبصر وأتكلم وأريد، ولما أردت أن أقيس على الشاهد وصفت اللَّه كذلك فأنا كذلك في الحقيقة وهو كذلك بالمجاز، فكل الوحي مجاز، وكل لغتنا مجاز وكل كلامنا مجاز، وهو تقريب لفهم الواقع، وتلك هي أهمية الخيال) (¬١).
فما دامت صفات اللَّه عنده مجاز والوحي مجاز في حين أن الإنسان حقيقة، فإن مؤدى هذا القول الضال أن اللَّه تعالى ليس بحقيقة ولا وحيه حقيقة، بل ضرب من ضروب الوهم والخيال.
بل يصل به التنقص للَّه تعالى والسعي لهدم دين الإسلام ونقض عراه أن قرر بأن أي كلام تقوله يصح أن يكون قرآنًا، وذلك في قوله. (. . . الحداثة تبدأ بالالتحام المباشر مع الواقع، فالبنسبة لقضية فلسطين، هل أنك تحتاج إلى العودة إلى القرآن والحديث لتنادي بالتحرير؟ وفي قضية الشعر والفن، هل أنت محتاج إلى نص قرآني أو حديث نبوي لكي تعرف أو تجد حلًا لقضايا الشعر والفن وقضايا الوحدة والتجزئة، قضايا الهوية والاختلاف. . . الخ، وهذا يعني بأن الإلتحام المباشر بالواقع يجبُّ أحيانًا كل نص، بل إنك كما قال مالك بن أنس (¬٢): "ما رآه المسلمون حسنًا فهو
---------------
(¬١) الإسلام والحداثة: ص ٢٢٣، أورد هذه الأقوال على ما ذهبت إليه تلك الفرق المبتدعة القديمة، أو متوقف عندها ولكنه أوردها ليخلص منها إلى مذهبه الشنيع.
(¬٢) هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر أبو عبد اللَّه الأصبحي الإمام صاحب المذهب، شيخ الإسلام وحجة الأمة، ولد سنة ٩٣ هـ، وتوفي ١٧٩ هـ عن ٨٩ سنة رحمه اللَّه تعالى ومناقبه أجل من الحصر، وفضله فوق الوصف، ومكانته في قلوب =

الصفحة 590