كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 1)

الإسلامي والسخرية من أخلاق الإسلام، والسعي لترسيخ ألوان الانحرافات الاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية، والدعوة للانحلال والفوضى الخلقية، والدعوة إلى استبدال شرع غير اللَّه بشرع اللَّه الحكيم، إلى غير ذلك من مفردات الانحرافات التي لا تكاد تحصى لكثرتها وتنوعها.
أمَّا المقنَّع من أفكارهم تحت أردية الغموض والرمزية فهو كثير كذلك، ولا يخرج عن المضامين السابقة، بل هو في خوضها الآسن غارق.
فإذا أرادوا -مثلًا- الحديث عن القرآن سموه "صوت الألوهية" أو "نتاج الغيبوبة"، والحكم الإسلامي يرمزون له بالملح والرماد والجفاف، وقرون الهجرة والفتح الإسلامي والخلافة رمزوا لها بالإبل والسفر والنخيل والبخور والتعاويذ والصحراء والهجير والرمال الضريرة، والعمائم المتخمة والأعشاب الميتة، وأرض الحروف عندهم أرض النبوات والإسلام والهدى، والأغوار الخرساء يريدون بها التاريخ الإسلامي، والشريعة والصلاة والمنارة يرمزون لها بالستارة السوداء، والإصلاح والدعوة وإحياء الإسلام يعبرون عن موقفهم منها بقولهم: "أهدم كل لحظة مدائن الغزالي" ونبذ التراث والإقبال على الغرب يأتي تحت قولهم: "أرفضُ الرمل واتجه نحو البحر"، والحداثة يسمونها: الشمس وفاطمة وفضة ونافذة الضوء ورياح المواقع والتضاريس والمطر والخصب، والتكوين الآتي إلى آخر ما هنالك من رموز وألفاظ تحتها الأفاعي والحيات.
إضافة إلى إحياء الرموز الباطنية، وأسسها الفلسفية؛ لتشكل ملامح غير معروفة إلّا لذي التتبع، والعبث بلغة القرآن، ودلالات ألفاظها وتراكيبها، وذلك بإعطاء اللغة العربية دلالات غير دلالاتها الأصلية، وهو جانب آخر من جوانب الخطورة التي ينطوي عليها المشروع الحداثي يتمثل في دعوتهم إلى "تفجير اللغة" أو "التحديث اللغوي"، فإذا انضاف إلى ذلك سعيهم لهدم أصول الفقه، وضوابط تلقي الوحي وفهمه وتطبيقه؛ علمنا أن القوم لا يهدفون إلى تجديد في الأساليب ولا تحديثٍ في الصيغ بقدر ما يستهدفون هدم ملة الإسلام، وإقامة ملة الحداثة مكانها {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)} (¬١).
من هذا كله وغيره كان الموضوع على جانب كبير من الأهمية، وكان
---------------
(¬١) الآية ٨ من سورة الصف.

الصفحة 6