كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

وقد استغل عبد اللَّه بن سبأ هذا الجو المضطرب، وعمل على زيادة الاضطراب والفتنة حتى وقع ما وقع من قتال وأمور دامية، ظهر في أثنائها وعلى إثرها فرق الضلال كالخوارج، والشيعة الذين وضع أساس بنائهم عبد اللَّه بن سبأ اليهودي مستغلًا تعاطف الناس مع أمير المؤمنين علي رضي اللَّه عنه وحبهم له ولآل البيت، فأظهر التعلق بمحبتهم وزعم أن عليًا رضي اللَّه عنه أوصى له بالخلافة من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونشر ذلك بين الناس فكانت هذه بداية بدعة الوصي والوصاية التي بنى عليها الشيعة أكثر أباطيلهم، ثم غالى حتى زعم أن عليًا كان نبيًا يوحى إليه، ثم غلا حتى ادعى له الألوهية من دون اللَّه عز وجل (¬١).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة، حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فعاقب الطائفتين، أمّا الخوارج فقاتلوه فقتلهم، وأمّا الشيعة فحرق غالبيتهم بالنار، وطلب قتل عبد اللَّه بن سبأ فهرب منه، وأمر بجلد من يفضله على أبي بكر وعمر) (¬٢).
ولكن ابن سبأ لم يمت إلّا وقد وضع بذور شره، فأخذ مذهب السبئية بعده بنان بن سمعان (¬٣) الذي قال بإلهية علي رضي اللَّه عنه ثم من بعده في ابنه محمد ثم في أبي هاشم ابن محمد بن علي بن أبي طالب ثم في نفسه هو، وكتب رسائل يدعو إلى نفسه بهذه الدعوى، وبدعوى النبوة، وأنشأ طائفة تسمى البنانية (¬٤)، تقوم على تأليه علي رضي اللَّه عنه ثم تأليه بنان،
---------------
(¬١) انظر: الفرق بين الفرق: ص ٢٣٥.
(¬٢) مجموع الفتاوى ٣/ ٢٧٩، وانظر: ١٣/ ٣٠ - ٣٤ من المصدر نفسه.
(¬٣) هو: بنان بن سمعان ويقال: بيان النهدي من بني تميم، ظهر في العراق بعد المائة وادعى الألوهية لعلي ثم لمحمد بن الحنفية ثم لأبي هاشم وابن الحنفية، ثم من بعده في بيان نفسه، وكتب إلى أبي جعفر الباقر كتابًا يدعوه إلى نفسه، وأنه نبي، قتله خالد بن عبد اللَّه القسري وحرقه بالنار قيل عام ١٢٦ هـ. انظر: ميزان الاعتدال ١/ ٧، ٣، والملل والنحل ١/ ٢٠٣، والتبصير في الدين: ص ١٢٤.
(¬٤) انظر: الملل والنحل ١/ ٢٠٤.

الصفحة 691