كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

يقول الماركسي اللبناني حسين مروة (¬١): (لقد كنا في لبنان مصابين بانتشار ألوان من الأدب والفن الانحلاليين وكان معظم أدبائنا وفنانينا متأثرين بالمؤسسات الأجنبية والمدارس الفرنسية في الأدب والفن والفلسفة، من رومنطيقية وسوريالية وانطباعية ووجودية، يقلدونها جميعًا، ويتعصبون لها، ويقفون بوجه الحركة الواقعية في الأدب والفن) (¬٢).
ففي هذا النص اعتراف كامل بتبعية أولئك للغرب، إلّا أن الطريف والمؤلم في الوقت ذاته أنه ينتقد عليهم وقوفهم ضد الحركة الواقعية في الأدب، وهي ليست سوى وجه آخر للتبعية، لكنها تبعية للكتلة الشرقية من أوروبا: الكتلة الشيوعية الماركسية اللينينية التي كان حسين مروة من أنشط دعاتها الحزبيين والفكريين، وكانت مجلة الثقافة الوطنية المنبر الثقافي والأدبي الذي امتطاه دعاة الشيوعية يبثون أفكارهم من خلاله (¬٣).
ومن شواهد اعترافات الحداثيين بالتبعية بل، وتأصيلهم لذلك ما ذكره
---------------
(¬١) حسين مروة، كاتب وباحث وناقد وسياسي لبناني شيعي الأصل شيوعي الملة ماركسي التنظيم، قام بأدوار كبيرة في نشر الماركسية والحداثة، ولد سنة ١٣٣٢ هـ/ ١٩٠٨ م، وتعلم في المدارس الشيعية في النجف، ثم تحول إلى الماركسية وانتخب في ١٣٨٣ هـ/ ١٩٦٤ م عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، له مؤلفات عديدة مليئة بمحاولات هدم الإسلام، والتنقص من عقائده وشرائعه وأصوله، وأشهرها النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، ودراسات في الإسلام بالاشتراك مع محمود أمين العالم ومحمد دكروب وسمير سعد، قتل غيلة في ١٤٠٧ هـ/ ١٩٨٧ م وعمره ٧٩ عامًا، وقرر الحداثيون جعل يوم موته ١٧ شباط من كل عام "يوم المثقف العربي"، وقد رثاه الحداثيون المحليون وبكوه بمرارة. انظر: شخصيات وأدوار ص ٢٥٥ - ٢٥٦، وحوار مع فكر حسين مروة لمجموعة من الكتاب ٣٤١ - ٣٤٣، والحداثة في ميزان الإسلام: ص ١٠٦.
(¬٢) مجلة الثقافة الوطنية العدد ٦٢ في ١٥ تموز ١٩٥٤ م/ ١٣٧٣ هـ: ص ٤.
(¬٣) صدرت مجلة الثقافة الوطنية عام ١٣٧٢ هـ/ ١٩٥٣ م ودعت لمؤتمر الكتاب العرب من ٩ - ١١ أيلول ١٩٥٤ م/ ١٣٧٣ هـ في دمشق، وهو المؤتمر الذي انبثق عنه رابطة الكتاب العرب، وقد لعبت مجلة الثقافة الوطنية دورًا بارزًا في احتضان التيار اليساري واهتمت بترجمة أعمال لوركا وأراغون وناظم حكمت وايلوار وغيين ونيرواد، ونشر الدراسات التعريفية والدعائية لهم. انظر: الحداثة الأولى: ص ٤٥.

الصفحة 708