كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

الامبراطورية هي وطننا لكن بلادنا هي سورية، كما أنشأ بعض الشبان المسيحيين من حلقة البستاني عام ١٨٧٥ م جمعية سرية دعت أبناء سورية إلى الاتحاد وطالبت بحكم ذاتي موحد لسورية ولبنان، إلّا أن التميز الحضاري لكيان اسمه "سورية" عن الحضارة العربية الإسلامية، في أوساط المثقفين البورجوازبين المسيحيين، خريجي الإرساليات، الذين حلموا بسيطرة الثقافة الفرنسية قدتم تحت تأثير الأب اليسوعي "هنري لامنس (¬١) " أحد مؤرخي الإسلام الكبار (¬٢)، والأستاذ في الجامعة اليسوعية في بيروت "الذي كان شديد الإيمان بكيان اسمه سورية وقد ظهر نفوره من الإسلام والقومية العربية بوضوح في كتاباته، حيث ميز أشد التمييز بين السوريين والعرب".
وسيوضح الأديبان المسيحيان اللبنانيان شكري غانم (¬٣) وجورج سمنة (¬٤) فكرة سورية حيث كانا يؤمنان بأن الأمة السورية بالرغم من وحدتها الطبيعية التي منحتها إياها الجغرافية، لم تتمتع قط بعد بوحدة اجتماعية سياسية؛ لذلك ناديا بدولة سورية قومية علمانية، يأخذ فيها لبنان مركزه كأحد ولاياتها.
ويشير ألبرت حوراني (¬٥) في مرجعه الأصيل "الفكر العربي في عصر النهضة" أن المثقفين البورجوازيين المسيحيين "كانوا يعتبرون لبنان بلدًا متوسطًا متصلًا بالمسيحية الغربية. . . ".
كما يؤكد د/ هشام شرابي (¬٦) "يجب التأكيد على أن الطائفيين
---------------
(¬١) هنري لامنس اليسوعي، مستشرق بلجيكي المولد فرنسي الجنسية، من علماء الرهبان اليسوعيين، تلقى علم اللاهوت في إنكلترا وكان أستاذًا للأسفار القديمة في كلية رومة، واستقر في بيروت ليكون أستاذًا في بغض الإسلام والعرب، تولى إدارة جريدة البشير مدة، ودرس في الكلية اليسوعية، وصنف كتبًا عن العرب والإسلام بالفرنسية مليئة بالحقد والبغض، وكذلك كتبه بالعربية، مات في بيروت عام ١٣٥٦ هـ - ١٩٣٧ م. انظر: الأعلام ٨/ ٩٩.
(¬٢) عبارات مبالغ فيها وهي معتادة من المنهزمين أمام الأسماء والمذاهب والفلسفات الغربية.
(¬٣) و (¬٤) و (¬٥) لم أجد لهم ترجمة.
(¬٦) هشام شرابي، أستاذ تاريخ الفكر الأوروبي في جامعة جورج تاون الأمريكية، ورئيس =

الصفحة 720