كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

من هذا ومما سبق يتبين لنا أسباب انجراف الحداثيين العرب في خوض الوثنيات الآسن، وقد خصص أدونيس في صدمة الحداثة من الثابت والمتحول عدة فصول لدراسة اليونان وعلاقة فلسفتهم وفكرهم بالمسلمين الذين يسميهم العرب تسمية مقصودة لها ما وراءها من دلالات باطلة يرغب الوصول إليها! ! .
وقد بدأ كلامه بقوله: (كانت اليونان هي المشكلة الحضارية الأولى التي واجهها المجتمع العربي وكلنا نعرف المواقف التي تولدت عن هذه المواجهة) (¬١).
ثم صنف هذه المواقف إلى ثلاثة أقسام: الأول أخذ آلة التفكير، والثاني التوفيق بين الدين والعقل اليوناني، الثالث رفض الفلسفة اليونانية (¬٢).
ثم أشاد بالموقف الأول: موقف ابن رشد (¬٣)، الذي يقرر -حسب قول أدونيس- بأن لدى اليونان معرفة حقيقية يجب أخذها، ثم يذكر المبررات التي تسوغ أخذ ما لدى اليونان في سياق مليء بالمغالطة والتخليط والهشاشة.
ثم انتقل إلى الموقف المعاصر وإلى التلفيقية التي سار عليها من يسميهم مفكرو عصر النهضة، قال: (. . . لقد استعدنا التوفيقية والتلفيقية
---------------
(¬١) الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ٢٥٦.
(¬٢) المصدر السابق: ٣/ ٢٥٦، وقد جعل الموقف الأول لابن رشد، والثاني للغزالي، والثالث لابن تيمية.
(¬٣) هو: محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي، الفقيه، الفيلسوف، من أهل قرطبة، ولد سنة ٥٢٠ هـ، وتوفي سنة ٥٩٥ هـ جده شيخ المالكية أبي الوليد بن رشد، تعلم الموطأ والفقه ثم انصرف إلى علوم الأوائل وبلاياهم حتى صار يضرب به المثل في ذلك، وصارت له الإمامة في ذلك، دافع عن الفلسفة وأرسطو خاصة، وله في ذلك مؤلفات كثيرة، رفعت عنه أقوال ردية إلى الخليفة يعقوب فنفاه إلى مراكش وأحرق بعض كتبه، ثم رضي عنه وأذن له بالعودة إلى وطنه فعاجلته الوفاة وهو محبوس في داره بمراكش. انظر: سير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٠٧، والأعلام ٥/ ٣١٨.

الصفحة 745