كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

الغزالية: "جسديًا" نأخذ الحضارة الغربية ووسائلها، أما "روحيًا" فنبقى في ثقافة الوحي) (¬١).
وهذه التلفيقية -حسب قوله- على ما فيها من أسباب للضلال والانحراف والتخلف والشتات إلّا أنه يراها توفيقًا وتلفيقًا لا قيمة فيه ولا غناء به، أي أنه يدعو إلى أخذ اليونانية كاملة، ويرى أن سيطرة الغرب الراهنة ونفوذه في المسلمين -وخاصة النفوذ الأمريكي- في كل المجالات قد خلخل هذه النظرة التوفيقية القديمة القائمة على الاستفادة من آلة اليونان الفكرية وترك مضمونها الاعتقادي ولاشك أن أدونيس جذل ومسرور بهذه النتيجة التي تخدم طموحاته الحداثية، وتوصله إلى الغاية التي سماها "صدمة الحداثة".
يقول بعد النص السابق ذكره: (غير أن الأمبريالية (¬٢) الثقافية تخلخل، اليوم، جذريًا، هذه التلفيقية، بحيث تقذف بالمجتمع العربي في مفترق حاسم، وبحيث أنه لا يبدو أكثر من ملحق اقتصادي - ثقافي بالغرب، وعلى الأخص بمركزه الامبريالي المهيمن: الولايات المتحدة، إنه الآن، بتعبير آخر، في مرحلة انشقاق على مستوى الأصل، ولئن قدرنا في الماضي أنه نلغي أو نعلق بمعنى ما، الغرب، ممثلًا باليونان، فإن الغرب اليوم يقيم في أعماق أعماقنا، فجميع ما نتداوله اليوم، فكريًا وحياتيًا، يجيئنا من هذا الغرب، أما فيما يتصل بالناحية الحياتية، فليس عندنا ما نحس به حياتنا إلّا ما نأخذه من الغرب وكما أننا نعيش بوسائل ابتكرها الغرب، فإننا نفكر بلغة الغرب: نظريات ومفهومات ومناهج تفكير ومذاهب أدبية. . . إلخ ابتكرها، هي أيضًا، الغرب، الرأسمالية، الاشتراكية، الديمقراطية، الجمهورية،
---------------
(¬١) الثابت والمتحول ٣/ ٢٥٨.
(¬٢) الإمبريالية طموح دولة أو دول نحو الاتساع على حساب الغير، ومد نفوذها وسيطرتها، أي أن دولة قوية ومسيطرة تتحكم في دولة أخرى تحكمًا غير مباشر في سياستها واقتصادها وهي صورة من صور الاستعمار الغربي يفرض السيطرة من غير عنف ولا احتلال عسكري. انظر: موسوعة السياسة ١/ ٣٠٠، ومعجم العلوم السياسية الميسر ص ٣٠.

الصفحة 746