كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

لقد إنهارت حركة شعر وانفض سامرها، ولكن هل بقي للإحياء الوثني الذي تزعمته أثرٌ في واقع الأدب العربي المعاصر؟ .
يجيب على هذا السؤال محمد جمال باروت، الذي يمتدح المثال الجمالي التموزي -حسب تعبيره- ثم يذكر تأثير مدلولات الوثنية التموزية في أكثر شعراء الحداثة، فيقول: (. . . إن المثال الجمالي التموزي، إذ نضج في حلقة شعر، وفي مهادها الفكري - الايديولوجي، فإنه في تطوره الدلالي لم ينحصر فيها، بل أثر عميقًا في تحولات الشعر العربي الحديث، بل وارتبط بأكثر الشعراء تمثيلًا لهذه التحولات، علمًا أن هؤلاء الشعراء كانوا متعددين في مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية - الايديولوجية - السياسية، ومتفاوتين في مدى قوة الالتزام كل منهم بهذه المشارب والانتماءات) (¬١).
وفي موضع آخر تحت عنوان "تموزية ما بعد حركة مجلة شعر"، يقول: (لقد فتحت تموزية حركة مجلة شعر الباب أمام الشعر العربي الحديث ليكتنه القدرات الدلالية والإيحائية والشعرية للأسطورة. . .، ومن أكبر الممثلين لتموزية ما بعد حركة مجلة شعر عبد الوهاب البياتي، بشكل معمق وأكيد في دواوينه "الذي يأتي ولا يأتي ١٩٦٦ م" و"الموت في الحياة ١٩٦٨" و"عيون الكلاب الميتة ١٩٦٩" و"الكتابة على الطين ١٩٧٠" وهي مرحلته الشعرية الأكثر أهمية وحداثة وعمقًا في أسئلتها واقتراحاتها، ولربما بهذا المعنى كان يوسف الخال يقول بترق عام ١٩٨٣: "إن عبد الوهاب البياتي يعرف أكثر من غيره أن شعر إنَّما قامت لأجل بلورة خطه، وخط غيره من شعراء الحداثة العربية" لكأن البياتي في مرحلته الشعرية هذه، يعيد إنتاج تموزية شعر مع تطعيمها بإيقاع إيديولوجي جديد، إنه مثل شعراء تموزية شعر يكتب: (أنا أميل إلى اختيار صورة المنقذ الذي يتجسد بصورة النبي كما هو وارد في العقيدة الإسلامية أو بروميثيوس الذي سرق النار الإلهية من أجل البشر، كما يتجسد في الميتيولوجيا (¬٢) اليونانية أو ميثولوجية
---------------
(¬١) الحداثة الأولى: ص ١١٥.
(¬٢) مصطلح الميثيولوجيا سيأتي بيانه ص ٩٩٩.

الصفحة 756