كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

وبذلك استقطب هذا الحزب مجموعة كبيرة من ذوي الاتجاهات المختلفة، وقد سبق ذكر ذلك في ثنايا هذا الفصل.
لقد كون أنطون سعادة لنفسه هالة من التعظيم والقوة والمكانة، وخلب بهذه الهالة المفخمة عقول وقلوب أتباعه وكان يرى أنه نبي أو بمثابة نبي وكان أتباعه يرون فيه القوة المقدسة والمخلص والبطل والمنقذ، وقد صور باروت في كتابه الحداثة التي كان أتباعه يرضخون لها فقال: (تنهض شخصية أنطون سعادة في دعي هذا الجبل، كخيط متوهج دامٍ ما بين النبوة والبطولة (¬١)، الكشف والفعل (¬٢)، وكان نفسه يرى أن ثمة قوة مقدسة بالمعنى النبوي تضعه في خط متصل منذ البعل الكنعاني إلى سارجرجس إلى الخضر، بل حاول أن يكرر الأسطورة نفسها، وأن يهز بمصيره مئات الذين اندفعوا خلفه، أراد أن يكون دفعة واحدة، النبي والبطل، والمخلص والفادي، ووجد فيه أتباعه تكرارًا لأسطورة تقارب يسوع، ودفعة بطوليه للنهضة رأى فيه أدونيس مثلًا "جلجلة البعث" هذا يوضح أبعاد الهزة الوجدانية الكبرى التي أثارها مصيره في حساسية ووعي النخبة التي اندفعت خلف أحلامه، بإيمان ميتافيزيائي، وهي تبحث عن البطل المنقذ القادر، المخلص المنتظر، الذي يبعث جوهر الأمة، المتعالي على التاريخ من بين الأجداث، وينهض به من جديد، وكان سعادة يرى كلماته كوحي، كما الأنبياء، ويلزم بها أتباعه كما هي علاقة النبي (¬٣) بجمهور المؤمنين، وكان في تصوره لهذه العلاقة قريبًا جدًا من تصور الأستاذ الاسكندروني زكي الأرسوزي (¬٤) عن توجس الأمة لانبثاق البطل النبي منها
---------------
(¬١) و (¬٢) هذا نَموذج من نَماذج المدائح الحداثية المبالغ فيها التي يلقيها أتباع الحداثة على بعضهم ولو كانوا يخالفونهم في النهج.
(¬٣) هذه العبارات من أبسط ما يتفوه به الحداثيون، حيث استهانوا بالنبوة وجعلوها وصفًا لكل ساقط ومنحرف وسيأتي تفضيل ذلك في فصل خاص من هذا البحث.
(¬٤) زكي الأرسوزي ١٣١٨ - ١٣٨٧ هـ/ ١٩٠٠ م - ١٩٦٨ م، قومي بعثي من أصل نصيري من أهل اسكندرون، له جهد كبير في ضم عدد من الشباب العرب إلى حزب البعث، وفي تأليف الكتب اللغوية والأدبية والسياسية من وجهة علمانية بعثية. انظر: موسوعة السياسة ٣/ ٤٢ - ٤٣

الصفحة 759