كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

"العناية بالأساطير الأصلية ذات المغزى الفلسفي في الوجود الإنساني بوعي لنظرة أساسية إلى الحياة والكون والفن") (¬١).
هذا القول لأنطون سعادة يؤكد غاية التأكيد أن الحداثة في مضامينها وأفكارها وجذورها وفروعها ليست إلا فكرًا مستعارًا، ومفهومًا تقمصه الأتباع من غير عقل ولا نظر، فأنطون سعادة يفرق بين الخرافة والأسطورة! ! .
ولم يقل له أحد من مريديه بأن الأسطورة هي خرافة بل أشد من الخرافة، ذلك أن في اسمها الدلالة الكبرى على كونها كذبًا واختلافًا، ومع ذلك يسميها الأساطير الراقيات ذات الصبغة الفلسفية، وسبب هذه التسمية أن هذه الأساطير هي المعتمدة رسميًا في الفكر والفلسفات الغربية؛ فلذلك كانت راقية وفلسفية، ولم تكن كذلك إلَّا لأنها كانت ملازمة للجماعات البشرية التي أظهرت استعدادًا نفسيًا عاليًا، وهذه الجماعات البشرية هم الغرب وفلاسفتهم.
أما أساطير العرب فإنها عنده -حتى وهي أساطير تشابه أساطير الغرب- منبوذة؛ لأنها خرافية وبدوية وليست حضارية! ! ، ومن هذا المنطلق استطاع سعادة أن يربط اتباعه بالغرب برباطين:
الأول: إحياء الأساطير والأوثان التي يؤمن بها الغرب وتشكل جذور فكره.
الثاني: صيغ هذه الأساطير بصيغة محلية "سورية" مع ربط الإقليم المحلي بالفكرة "المتوسطية" لتتم عملية الربط التاريخي والحضاري -حسب قوله- بين سورية والغرب، هذه المفاهيم التي غرسها أنطون سعادة، مع المفاهيم المنحرفة الأخرى، مثل نفي الألوهية، وجحد وجود اللَّه تعالى، ورفض الغيبيات، وفصل الدين عن السياسة، سارت في أتباعه مسير الدم في عروقهم، وشكلت مفهومًا ثقافيًا وسياسيًا شاملًا، وجد الحركة الشعرية
---------------
(¬١) انظر: الحداثة الأولى: ص ١٢٤، وما بين علامتي التنصيص لأنطون سعادة من كتابه الصراع الفكري في الأدب السوري: ص ٦٩، ٨١.

الصفحة 763