كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (اسم الجزء: 2)

العربية الحديثة مطية صالحة له للوصول إلى مآربه الظاهرة والخفية.
وتتبدى هذه المفاهيم الأسطورية التي شاعت بين أدباء الحداثة، دليلًا جديدًا على التبعية والانقياد الفكري ليس في هذه القضية فحسب بل في الاتجاه العام للشعر والأدب العربي كله، وهذا ما أكده غالي شكري في كتابه شعرنا الحديث إلى أين، حيث قال: (فلا شك أن الثقافات الأجنبية ومدارس الشعر الغربي والبيئات الحضارية الجديدة، كانت جميعها من عوامل التجديد، ولكنا نلاحظ أن حركات التجديد في جميع المراحل السابقة على حركة الشعر الحديث قد حافظت على جوهر الشعر العربي، بينما نلاحظ في نفس الوقت أن الحركة الحديثة تقوم أساسًا على رفض هذا الجوهر، فلا يقتصر التجديد فيها على استخدام الأسطورة أو الرمز أو لغة الحديث اليومي أو المشكلات الميتافيزقية، ولكنها غيرت بالفعل من الاتجاه العام للشعر العربي، وانعطفت به وجهة أخرى وهي بلا ريب وجهة الشعر الغربي الحديث) (¬١).
إن هذه الحقيقة لأمراء فيها ولا غبار على ثبوتها، وقد كانت استعارتهم للعناصر الوثنية والنصرانية واليهودية، من أبرز وأظهر نَماذج محاكاة شعراء الحداثة العرب لأدباء وفلاسفة الغرب.
وقد كان المنهج الأسطوري الذي نشأ في الغرب في جوانبه الأدبية والفلسفية والتاريخية وأنماطه النفسية واللاشعورية، واتخاذ الأساطير وتأويلها، وجعل الشاعر كالعراف والساحر، وغيرها؛ أساسًا ومنطلقًا للتقمص الذي مارسه حداثيو العرب.
وقد عني الغربيون بالأساطير ولجأوا إليها واتخذوها مثابة للمسار الفكري والفلسفي والإبداع الأدبي فظهر المذهب الأسطوري في الدراسات الأدبية في أحضان الأنثربولوجيا (¬٢)، واتجهت مجموعات في إنكلترا وأمريكا
---------------
(¬١) شعرنا الحديث إلى أين؟ : ص ١١٢.
(¬٢) الانثربولوجيا هي علم الإنسان، ويدرس نواحي النوع الإنساني وكل الظاهرات المتعلقة به، وله ثلاثة فروع رئيسية: الطبيعة وتدرس النمو الجسمي للإنسان، والاجتماعية =

الصفحة 764