كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

قول سليمان بن عبد الملك في ذلك

ذكر ابن أبي الدنيا، وأبو الفرج ابن الجوزي، عن خالد بن عبد الرحمن قال: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، فسمع غناء من الليل فأرسل إليهم بكرة، فجيء بهم، فقال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة، ثم قال: اخصوهم، فقال عمر بن عبد العزيز: هذه المثلة ولا تحل، فخل سبيلهم، قال: فخلى سبيلهم.
وروى أبو الفرج أيضاً بإسناده عن معن بن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: كان سليمان بن عبد الملك في بادية له فسمر ليلة على ظهر سطح، ثم تفرق عنه جلساؤه، فدعا بوضوء فجاءت به جارية له، فبينما هي تصب عليه إذ استمدها بيده، وأشار إليها فإذا هي ساهية مصغية بسمعها، مائلة بجسدها كله إلى صوت غناء تسمعه في ناحية العسكر، فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت، فإذا صوت رجل يغني، فأنصت له حتى فهم ما يغني به من الشعر، ثم دعا جارية من جواريه غيرها فتوضأ، فلما أصبح أذن للناس إذناً عاماً، فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه، وليّن فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه، فأفاضوا في التليين والتحليل والتسهيل، فقال: هل بقي أحد يُسمع منه، فقام رجل من القوم، فقال: يا أمير المؤمنين، عندي رجلان من

الصفحة 131