قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فإذا كان هذا الشاعر المفتون اللسان الذي هابت العرب هجاءه خاف عاقبة الغناء، وأن تصل رقيته إلى حرمته فما الظن بغيره؟! ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء، كما يجنبهن أسباب الريب. ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنا فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه. انتهى.
قول جرير بن عطية الشاعر في ذلك
ذكر الهيثم بن عدي، عن عوانة بن الحكم قال: لما استخلف عمر ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى وفد إليه الشعراء، فمكثوا ببابه أياماً لا يؤذن لهم ولا يلتفت إليهم، فذكر القصة بطولها، وفيها: أنه أذن لجرير وحده، فدخل عليه فأنشده قصيدة طويلة يمدحه فيها، فقال له: ويحك يا جرير، لا أرى لك فيما ههنا حقاً، فقال: إني مسكين وابن سبيل، قال: إنا ولينا هذا الأمر ونحن لا نملك إلا ثلاثمائة درهم، أخذت أم عبد الله مائة، وابنها مائة، وقد بقيت مائة، فأمر له بها فخرج على الشعراء، فقالوا: ما وراءك يا جرير؟ فقال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإني عنه لراض، ثم أنشأ يقول:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وقد روى هذه القصة أبو نعيم في [الحلية] من طريق أخرى، فذكرها