روينا أن أحمد سمع قوالاً عند ابنه صالح فلم ينكر عليه، فقال له صالح: يا أبت، أليس تنكر هذا؟ فقال: إنما قيل لي: إنهم يستعملون المنكر فكرهته، فأما هذا فإني لا أكرهه.
وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء، وإنما أشار إلى ما كان في زمانهما من القصائد الزهديات، وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد، ويدل على ما قلت: أن أحمد بن حنبل سئل عن رجل مات وترك ولداً وجارية مغنية، فاحتاج الصبي إلى بيعها، فقال: لا تباع على أنها مغنية، فقيل له: إنها تساوي ثلاثين ألف درهم، ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوي عشرين ديناراً. فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة. وإنما قال هذا؛ لأن الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهديات، بل بالأشعار المطربة المثيرة للطبع إلى العشق.
وهذا دليل على أن الغناء محظور، إذ لو لم يكن محظوراً ما أجاز تفويت المال على اليتيم، وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم: عندي خمر لأيتام، فقال: أرقها. فلو جاز استصلاحها لما أمره بتضييع أموال اليتامى. وروى المروذي عن أحمد بن حنبل أنه قال: كسب المخنث خبيث يكسبه بالغناء؛ وهذا لأن المخنث لا يغني بالقصائد الزهدية، إنما يغني بالغزل والنوح. فبان من هذه الجملة أن الروايتين عن أحمد في الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات الملحنة، فأما الغناء المعروف اليوم فمحظور عنده، كيف ولو علم ما أحدث الناس من الزيادات. انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله تعالى.
وإذا كان هذا قوله في غناء أهل زمانه في القرن السادس، فكيف