ابن الجوزي فقد تقدم كلامه قريباً. وأما ابن القيم فقال في [مدارج السالكين]: هيهات هيهات أن يكون أحد من أولياء الله المتقدمين حضر هذا السماع المحدث المبتدع المشتمل على هذه الهيئة التي تفتن القلوب أعظم من فتنة المشروب - يعني: الخمر - وحاشا أولياء الله من ذلك، وإنما السماع الذي اختلف فيه مشايخ القوم اجتماعهم في مكان خال من الأغيار يذكرون الله ويتلون شيئاً من القرآن، ثم يقوم بينهم قوال ينشدهم شيئاً من الأشعار المزهدة في الدنيا، المرغبة في لقاء الله ومحبته وخوفه ورجائه والدار الآخرة، وينبههم على بعض أحوالهم من يقظة، أو غفلة، أو بعد، أو انقطاع، أو تأسف على فائت، أو تدارك لفارط، أو وفاء بعهد، أو تصديق بوعد، أو ذكر قلق وشوق، أو خوف فرقة أو صد، وما جرى هذا المجرى - فهذا السماع الذي اختلف فيه القوم، لا سماع المكاء والتصدية، والمعازف والخمريات، وعشق الصور من المردان والنسوان، وذكر محاسنها ووصالها وهجرانها، فهذا لو سئل عنه من سئل من أولي العقول لقضى بتحريمه، وعلم أن الشرع لا يأتي بإباحته، وأنه ليس على الناس أضر منه ولا أفسد لعقولهم وقلوبهم وأديانهم وأموالهم وأولادهم وحريمهم منه. انتهى كلامه رحمه الله تعالى وصدق فيما قال.
وقد شاهد العقلاء ما ذكره من ضرر الغناء والمعازف وإفسادهما للعقول والقلوب والأديان والأخلاق والأموال والأولاد والحريم. ومن في قلبه بعض حياة لا يخفى عليه ذلك. وأما أموات القلوب فإنهم، كما قال الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ